اليمن - صنعاء المدينة المجهولة ل 99 % من الناس................. Old sana'a - yemen unknown city for 99% of people

الجمعة، 3 يونيو 2011

وصاب العالي

الى الناحية الغربية من مدينة ذمار وسط اليمن تقف قرى "وصاب" شامخة بشموخ جبالها التي تشكل جزءاً من السلسلة الجبلية الغربية في اليمن المطلة على سهول تهامة؛وما عرف سابقا بـ"سلسلة جبال السراة" حيث يتراوح ارتفاعها بين 380 – 3500 متر فوق مستوى سطح البحر، يقل ارتفاعها كلما اتجهنا إلى الغرب،من أشهرها جبل "الدن" ثاني جبل بعد جبل النبي شعيب بصنعاء بالنسبة للارتفاع يأتي بدرجة ثانية جبل الجميمة( بني علي) وجبل المصباح الذي يعد الأقرب إلى سهول تهامة من الغرب والذي يرى الزائر منه مياه البحر الأحمر وبعض الجزر.
وخلال المراحل الزمنية المتعاقبة في اليمن كانت جبال وصاب الشامخة شديدة الانحدار حصونًا منيعة، شيدت على قممها القلاع والحصون واحتضنت العديد من الحضارات المتعاقبة، والتي لا تزال أسرارها في طي الكثبان ،عدا جزء يسير من تاريخها الذي كشفته العديد من المصادر التاريخية والجزء الآخر اندثر.
تعانق جبال وصاب السحاب وتلبس خلال الشتاء ثوباً ضبابياً أبيض، لا تلبث أن تخلعه لتكتسي ثوباً أخضر يكسو مدرجاتها البديعة بقية فصول العام ما يجعلها درة بديعة تأسر الناظر وهو يتصفح جمالها البديع من قمم أحد الجبال التي تطرزها القرى والمنازل المتناثرة ذات الطابع المعماري البديع الذي يعكس إرادة الإنسان في قهر تلك الجبال والبناء بأحجارها التي تستغرق أوقاتاً في نحتها بأشكال هندسية بديعة؛ إذْ تبدو المنازل كلؤلؤ منثور على ثوب حريري أخضر.
ووصاب التي تبعد حوالي 180 كم غرب مدينة ذمار تنقسم إلى مديريتين وصاب العالي ووصاب السافل وهماتتبعان محافظة ذمار حيث يحد وصاب من الشمال محمية عتمة (محافظة ذمار) ومديريتي مزهر والجعفرية( محافظة ريمه) ومن الجنوب مديرتي القفر وحزم العدين من (محافظة إب )ومديرية جبل رأس من (محافظة الحديدة)، ومن الشرق مديرية القفر (محافظة إب) ومديرية عتمه (محافظة ذمار) ومن الغرب مديرية زبيد وأجزاء من جبل رأس من( محافظة الحديدة).. وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1.446 كم2 يحيط بها واديان شهيران وادي زبيد ووادي رقاع اللذين تصب مياههما في البحر الأحمر.
ويقطن وصاب 411.626 نسمة حسب آخر تعداد عام 2004م يتوزعون على خمس دوائر انتخابية وجزء من دائرة يمتهنون العديد من الحرف والمهن منها الزراعة والرعي والصناعات اليدوية، وبعض المهن التقليدية والطبية.
وتتصف المنطقة بتنوع تضاريسها، ومناخها؛ حيث تتكون من سهول واسعة محاذية لسهول تهامة غرباً وجبال مرتفعة كلما اتجهنا شرقا، ويتدرج المناخ كذلك بين الحار والمعتدل في الأجزاء الغربية وبارد معتدل من المناطق الشرقية..
و"لوصاب" تاريخها الموغل في القدم؛ حيث يذكر الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب أن وصاب هي "جبلان العركبة" التي تشمل مخلاف "نعمان العركبة" أي وصاب السافل والعالي وهو بلد واسع رخي طيب الأرض مبارك الأجواء زكي الأرجاء وله تاريخ مستقل سكنه بطون من حمير من نسل جبلان.. وحي الصرادف من بني حي بن خولان وهي وملوكها.. ويذكر القاضي "الحجري" في معجمه عن العلامة الحبيشي أن تسمية وصاب نسبة إلى وصاب بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العظمي وينتهي نسبه إلى حمير الأكبر.. ومنهم من يقول إنها "إصاب" وهو الاسم الأصلي ثم أبدلت الهمزة واواً.. ويقول ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان أن وصاب اسم جبل يحاذي زبيد باليمن وفيه عدة بلاد وقرى وحصون.. وسكن وصاب الشراحيون؛ فهم آل يوسف ملوك تهامة من عهد المعتصم إلى أيام المعتمد.. والوصابيون من سبأ الأصغر كما أورده الهمداني.. وعرفت وصاب في الماضي بـ (وصاب بن مالك) وهي بطن من سبأ الأصغر وتنسب إلى وصاب بن مالك بن زيد بن أدد بن زرعه.. بينما يتوسع بعض الإخباريين في تعريف وصاب ونسبها إلى وصاب بن سهل بن زيد بن جمهور بن عمرو بن قيس بن جشم العظماء بن عبد شمس بن وائل بن الغول بن حيدان بن قطن بن عريب بن زهير ابن اليمن بن الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأصغر.. وعرفت كذلك بالعركبة وهي مدينة أثرية قديمة جداً تقع حالياً في إطار عزلة جباح مخلاف جعر وصباب العالي والتي لا تزال قائمة حتى الآن.
ويصف العلامة الحبيشي العركبة أنها مدينة وصاب القديمة وهي مدينة عظيمة وكان سورها على رؤوس الجبال وكان لها أربعة أبواب إلى كل جهة وبابها الغربي بين جبلين مستقيمين يدخل منه من أتى من التهائم ودون هذا الباب الغربي نهر جار دائم "ما يعرف حاليا بوادي قسيم بين مديريتي وصاب العالي والسافل" وجسر وإليها أنهارٌ من جهة المشرق يدخلونه إلى قصورهم وبيوتهم ومساجدهم ومن غربي المدينة أنهارٌ دائمة تُسقي أرض "سخمل" وسخمل مدينة قديمة من زمن الجاهلية وكان من ملوكها من الشراحيين من حمير..
وقال إن سبب خرابها السيل وانتقل أهلها إلى جبل قريب منها يسمى "عيثان " وتستمد وصاب أهميتها التاريخية من دورها الحافل بالحراك السياسي منذ مطلع العصر الإسلامي؛ حيث انفردت وصاب بحكامها الشراحيين الذين ينتسبون إلى "ذي رعين" أبرز أقيال حمير الذين حكموا مخلاف وصاب مع جزء من تهامة حتى سواحل البحر الأحمر في ظل دولة عرفت بدولة "الشراحيين" منذ مطلع القرن التاسع للميلاد وكان حصن العركبة بمثابة سند لهم.
ووفقاً لما أورده المستشرق الروسي "م. بتروفسكي" فإن سكان العركبة كانوا يدينون بالنصرانية قبل الإسلام وكان يوجد كنيس لهم في المدينة.
وفي مطلع القرن السادس الهجري انتقل الداعية المتشدد علي ابن محمد الحميري الرعيني من قريته الصغيرة "العنبرة" من ضواحي مدينة زبيد إلى منطقة الداشر إحدى عزل وصاب السافل للترويج لدعوته الدينية على مذهب أبي حنيفة ثم انتقل إلى حصن الشرف في مخلاف بني شعيب وصاب العالي، وهناك كون مقومات دولته، وقام بتنفيذ عدد من الغزوات العسكرية على مدينة زبيد وضواحيها، انطلاقاً من حصن الشرف وهُزم في أول غزواته على تهامة عام 534هـ/ 1143م وكان معه أربعون ألف جندي لكنه عاود الكرات إلى أن انتصر في رجب عام 554هـ/ 1159م وتشتهر وصاب بالعديد من المناطق التاريخية والأثرية الهامة التي لا تزال فيها الكثير من الشواهد على تاريخها وحضارتها الموغلة في القدم والتي لا يزال من الصعب الكشف الدقيق عن تاريخها وحضارتها القديمة بسبب بعد المنطقة ووعورة طرقها وبعدها عن مركز المحافظة حيث لم تصل إلى المنطقة أي بعثة أثرية او فرق متخصصة بدراسة تاريخها وحضاراتها.
ولا تزال العديد من المواقع والقلاع والحصون شامخة حتى الآن ومنها ماهو مطمور وما صار خرائب، وجزء كبير أزيل نهائياً بسبب الزحف العمراني الذي تشهده المنطقة والجهل بأهمية تلك الشواهد التاريخية.
من المواقع التي لا تزال قائمة حصن نعمان وحصن السدة مخلاف بني مسلم وحصن الحمراء والمصنعة بقاعدة وحصن جعر وقلعة الوايلي وحصن النشم -مخلاف كبود- وقبة عراف أهم المعالم البارزة التي تمتاز بمواصفاتها المعمارية الهندسية الرائعة وزخارفها البديعة حيث يوجد بداخلها عشرة قبور عليها أضرحة خشبية، يذكر أنها كانت قديماً كنيسة وتم تحويلها خلال العصر الإسلامي إلى معلم إسلامي، إلى جانب حصن الساندة (مخلاف نقذ) وحصن عزان (مخلاف القائمة) وحصن الظفران عزلة الظفران الذي زتذكر الكتابات أنه من الحصون الحميرية التي وجدت فيها نقوش بخط المسند، وحصن "ضهر" وحصن "رجوف" وحصن الشرف وحصن "قوارير" في الداشر وحصن يناخ بن حسام ومدينة العركبة منطقة جباح وقلعة الدن وقلعة المصباح وقلعة السرح وحصن "يريس" بالجبجب وحصن الوكر بقشط وقلعة الظاهر ببهوان وجامع الأحد وجامع المأثور بن علي وجامع الباردة وجامع الشرف وجامع العباد بجبل مطحن.. وحصن بني علي الذي لا يزال منه سوى خرائب وقلعة المدوره عزلة المحجر وقلعة "شعاف".
بالإضافة إلى مقبرة الزير سالم والتي هي عبارة عن معلم ديني وتاريخي قديم يوجد بها قبر الزير سالم- كما تذكر الكتابات -حيث يبلغ طوله حوالي 6 أمتار وعرضه مترين، وما يميز المنطقة -التي فيها المقبرة -أن العديد من أسماء المناطق مسماة بتسميات مناطق بني هلال والأشخاص الذين عاصرو الزير كبئر جساس ومنطقة كليب.. الخ.
اشتهرت وصاب خلال العصر الإسلامي بالعديد من علمائها البارزين فهم من بني الحبيشي، والجيشي صاحب تاريخ وصاب عام 734هـ.
("الاعتبار في التواريخ والأخبار) ومن أسلافه وقرابته جملة من العلماء منهم أبو محمد عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن سلمه الحبيشي المتوفي عام 780هـ ومن مصنفاته "نظم التنبيه" ومنهم أحمد وموسى أبناء يوسف بن موسى بن علي التابعي الحميري والشاعر ابن مكرمان البرعي الحميري من أعلام المائة السادسة الهجرية والأديب عبدالرحمن البرعي من أعلام القرن 11 هـ والعلامة أبو محمد الخضر بن محمد بن مسعود بن سلامة الوصابي.
وتمتاز وصاب بالعديد من المقومات السياحية الفريدة بداية بمناظرها الطبيعية الخلابة وطرازها المعماري وتنوع بيئتها حيث تتواجد فيها العديد من أنواع الطيور النادرة والحيوانات والزواحف المختلفة.. وتنوع موروثها الشعبي..
ومناسبتها لسياحة تسلق الجبال.. وتشتهر وصاب بإنتاج العديد من المحاصيل الزراعية الهامة والتي تصدر جزء منها إلى الأسواق العربية والأجنبية والبعض الآخر إلى الأسواق اليمنية مثل المانجو الذي يزرع بأنواعه المختلفة والموز والبن والرمان والسمسم والجوافه والعمب والذرة الرفيعة والدخن والذرة الشامية والتين إلى جانب إنتاج نحل العسل "العسل الوصابي ذائع الصيت" والذي تشتهر به منطقة المجوحي والأجراف وبني حي وبعض المناطق الأخرى والذي تصدر نسبة عالية منه إلى بعض الدول المجاورة.

ليست هناك تعليقات:

اراشيف