صنعاء القديمه
كانت المدينة القديمة لا تمثل سوى مساحة صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نقم شرقاً إلى جبل عيبان غرباً ، وربما الحصن التاريخي الموجود فوق سفح جبل نقم في الطرف الشرقي من مدينة صنعاء القديمة كان يمثل النواة الأولى للمدينة ، وقد عرف فيما بـعد باسم " قصر غمدان " ثم تطورت المدينة وأصبح لها سور دائري وفي وسطها موضع " القليس " قبل الإسلام ومع مجي الإسلام استجاب باذان ـ عامل الفرس على اليمن ـ مع أهل اليمن لدعوة رسول الله ( ص ) سنة ( 627 ميلادية ) ، ودخلوا في الدين الإسلامي فعينه رسول الله ( ص ) والياً على صنعاء وكانت المدينة القديمة مقر الوالي فبني الجامع الكبير في السنة ( السادسة للهجرة ) فاكتسبت ملامح جديدة فقد دخلها عدد من أصحاب رسول الله ( ص ) ، وظلت محافظة على أهميتها وأصبحت مركزاً دينياً وتنويرياً فزاد اتساعها في العهود الإسلامية المتلاحقة ، فبعد أن كانت صنعاء القديمة تقع في الجانب الشرقي من وادي السايلة كمدينة مسورة بها حصن يقع في الطرف الشرقي من المدينة على منطقة مرتفعة تحتها تقع الأسواق والجامع الكبير ، ومن الفترات التي توسعت فيها مدينة صنعاء عهود كل من الدولة الهمدانية ( القرن السادس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي ) والدولة الأيوبية ( القرن السابع الهجري ـ الثاني عشر الميلادي ) ، وينسب تجديد سورها إلى السلطان " طغتكين بن أيوب " ، فأصبحت تضم المباني الهامة من الوجهة التاريخية ذات الطابع الجمالي الخاص والعمراني الفريد وفي العهد العثماني الأول ( المائة العاشرة للهجرة ) بني في شرقها جامع البكيرية وحمام الميدان على الطراز العثماني وفي جهة الغرب امتدت إلى مجرى السايلة ومد سورها إلى باب السبح ، كما أنشئ حي النهرين في غربي المدينة وأقيم على طرفه الجنوبي مقر الحاكم عرف ومازال بـ " بستان السلطان " وكان موضعه قبل ذلك مقابر لعظماء همدان .
اًحياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري ومستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية ، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها المعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية ، إلا أنها واجهت أضراراً بالغة بفعل تأثيرات حركة السيارات التي غزت المدينة فسببت انفجارات لأنابيب المياه والصرف الصحي فأحدثت تشرخات في أساسات بعض المباني هذا بالإضافة إلى هدم أسوار المدينة وبعض المعالم القديمة وكذا تخلي عدد من ملاك المنازل والقصور الكبيرة عنها بانتقالهم إلى الأحياء الجديدة ، ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث ، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار وكان منها القرار الصادر في عام ( 1984 ميلادية ) الخاص بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها ، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية ، ونظراً لمكانتها في التراث العالمي الإنساني تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها ، فقد أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام ( 1980 ميلادية ) ، قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة ، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول الصديقة ، وكان من أهداف الحملة ، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها ، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار ، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط ، وترميم باب اليمن كاملاً ، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها ، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات والملتقيات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة .
أمَّا تخطيط المدينة فيعتمد أساساً على نظام الحارات فالبنايات رغم أنها تبدو متلاصقة عن بعد إلا أن الأزقة تخترقها بطريقة منظمة ، بحيث يكون في كل حارة مسجد وأمامه بستان ( مقشامة ) يمَّول سكان الحارة بما يحتاجونه من خضر وفاكهة ، وشوارع المدينة ضيقة ، وهي تصب في الأسواق وكثافة السكن حولها عالية جداً ، كما أن تخطيط المدينة يقـوم على أساس نظام الطوابق المتعددة .
تعد الأسوار من أساسيات البناء المعماري القديم لجملة من الأسباب منها ما يتعلق بإكساب المدينة مظهراً جمالياً خارجياً ومنها ما يتصل بالوقوف في وجه متغيرات العوامل الطبيعية كالكوارث من فيضانات وسيول وعواصف ، وكذلك حماية المدن عند تعرضها للغزو والعدوان حيث تعد الأسوار حائطاً دفاعياً صلداً للوقوف بثبات في وجه المعتدين وتعزيز الصمود والمقاومة ، ولصنعاء المدينة التاريخية سور منيع محيط بها من جميع الجهات الأربع وبدايات هذا السور موغلة في القدم حيث يتبين أن أول من أقام السور هو الملك السبئي " شعرم أوتر" الذي حكم خلال ( الربع الأخير من القرن الثاني الميلادي إلى الربع الأول من القرن الثالث الميلادي ) حيث أورد مؤرخ اليمن" الهمداني " في موسوعته كتاب " الإكليل " بأنه هو أول من أحاط صنعاء بحائط ، ويؤيد صحة ذلك العثور على نقش خاص بالملك " شعرم أوتر " ذكرت فيه مدينة صنعاء كالتالي ( جنأ / صنعاء ) وكلمة " جنأ " في النقوش القديمة المسندية معناها السور ، وللسور القديم أربعة أبواب رئيسية هي على النحو التالي :
-1- باب اليمن : وهو باب ينفذ إلى الجهة الجنوبية ـ وما كان جنوباً يسمى يمناً عند الأقدمين لوقوعه على يمين الكعبة المشرفة ـ ، وقد عُرف باب اليمن بأسماء أخرى لم تكتسب شهرة التسمية الأصلية مثل ( باب عدن ) ، ( باب غمدان ) ، ( باب الحرية ) والأخير عقب قيام الثورة اليمنية ، ويعد باب اليمن أجمل أبواب المدينة صنعاً ، وأكثرها عرضاً وترتيباً ، وهو الباب الوحيد المتبقي بصورة سليمة ولم يتعرض للهدم والتخريب كبقية الأبواب الأخرى .
-2- باب شعوب : وهو باب ينفذ إلى حي شعوب في الجهة الشمالية .
-3- باب ستران : وهو باب يؤدي وينفذ إلى الجهة الشرقية باتجاه القلعة وجبل نقم وعُرف باسم آخر هو ( باب القصر ) .
-4- باب السبحة : وهو باب ينفذ إلى الجهة الغربية باتجاه الحقل وحي بئر العزب ، وسمى ـ أيضاً ـ ( باب السبح ) ، أما الأبواب الأخرى غير الرئيسية فهي :-
* باب خزيمة : - وهو باب باتجاه الجنوب يؤدي إلى مقبرة خزيمة ، وهو تابع للسور الخاص بحي بئر العزب .
* باب الشقاديف : - وهو باب باتجاه الشمال ويعُرف ـ أيضاً ـ باسم ( باب الحديد ) ويتبع هذا الباب السور الخاص بحي
بئر العزب .
* باب البلقة :- وهو باب باتجاه الجنوب وهو أصلاً جزء من السور الخاص بمنطقة قاع اليهود .
* باب الروم :- وهو باب باتجاه الشمال الغربي يتبع السور الخاص بحي بئر العزب .
* باب القاع :- وهو الباب الآخر للسور الخاص بمنطقة قاع اليهود .
والأبواب السالفة الذكر هي أبواب لأسوار خاصة بحي بئر العزب وقاع اليهود اللذين أنشآ نتيجة للتوسع خارج إطار مدينة صنعاء القديمة المسورة وذلك خلال عهد الأيوبيين ومن بعدهم العثمانيين ـ الأتراك ـ ، ونظراً لسماكة ومناعة جدار السور القديم فقد كان سطح السور يتسع لتمشي فيه ثمانية خيول مجتمعة ، وذلك وفقاً لمشاهدة الرحالة الإيطالي " الوم كوستا " في ( القرن التاسع هجري ) ، كما توجد ممرات في وسط السور يمكن لفارسين أن يمشيا مجتمعين معاً أثناء التجوال والحراسة ، كما استعمل الممر نفسه لمرور عربات المدافع القديمة في حالات الدفاع عن المدينة لحمايتها من العدوان .
- المراحل التاريخية للسور :- يمكن أن نؤرخ للسور وفقاً للمراحل المختلفة التي مر بها بنائه وذلك لما تقتضيه احتياجات التوسع وازدهار النشاط الاقتصادي والزيادات السكانية ، كذلك أعمال الترميم والإصلاحات التي تمت كنتيجة للأضرار التي لحقت بالسور بسبب التقادم والعوامل الطبيعية والمناخية وبسبب التدمير والعبث الذي يقوم به الإنسان لعوامل عدة منها ما يتصل بالجهل والتخلف مما يجعل البعض يقوم بتخريب أجزاء من السور أو البناء في موقع السور ، ومنها ما يتصل بأعمال الحروب والغارات على المدينة وسورها إبان فترات الصراع السياسي الطويل الأمد للسيطرة على مدينة صنعاء نظراً لأهميتها من حيث موقعها ودورها التاريخي ، ويمكن ذكر مراحل بناء السور القديم والإضافات التي تمت ، وأعمال الصيانة والترميم وفقاً لما تورده المصادر والمراجع التاريخية ومن المؤكد أن هنالك أعمال بناء لأجزاء من السور أو ترميمات لم يرد ذكرها وذلك كما يلي :
- السور القديم بأبوابه الأربعة المعروفة والسالف ذكرها وقد بناه وفقاً لما ورد سابقاً الملك السبئي " شعرم أوتر " في حوالي أواخر ( القرن الثاني الميلادي ) ، بداية الربع الأول من ( القرن الثالث الميلادي ) .
- المراجع التاريخية تشير إلى أن أول من قام بترميم سور صنعاء القديم وإعادة بناء أجزاء منه بالحجر والجص الملك " علي بن محمد الصليحي " ، وركب عليه ( سبعة أبواب ) وكان ذلك في ( القرن السادس الهجري ) .
- في عهد الدولة الأيوبية :- عند معرفة وسماع السلطان " علي بن حاتم الهمداني "ـ أحد حكام دولة بن حاتم ـ بقدوم " توران شاه الأيوبي " إلى صنعاء في سنة ( 570 هجريـة ) قام بهدم السور وتكسير خنادقه ، وفقاً لرواية المؤرخ " الحسن بن علي الخزرجي " التي أوردها فـي كتابه ( المسجد المسبوك لمن ولي اليمن من الملوك ) ، وذلك بهدف جعل الأيوبيين مكشوفين عند دخولهم المدينة مما يمكن بني " حاتم " من شن غارات سريعة وخاطفة بما يشبه حرب العصابات وقد قام السلطان " طغتكين الأيوبي " بإعادة بناء السور في أواخر ( القرن السادس الهجري ) ، كما تم التوسع في العصر الأيوبي حيث امتدت باتجاه الغرب فيما عُرف ببستان السلطان فقد قام السلطان " طغتكين الأيوبي " بتسوير الجزء المستحدث ووصله بسور المدينة القديمـة ، بحيث أصبحت السائلة محصورة بين السورين ، ويبلغ عرض السائلة حوالي ( 30 متراً ) وقد تم توصيل جزئي المدينة بواسطة خنادق فوق السائلة وذلك لتسني مرور الناس وأمتعتهم ـ خاصة في الفترات التي تكون السائلة مليئة بمياه الأمطار ـ .
- في عهد العثمانيين ـ الأتراك ـ : فقد تم استحداث حي بئر العزب وتسويره ، كما قاموا بعمل سور يضم منطقتي " بئر العزب " و " قاع اليهود " ـ عندما دخل حي قاع اليهود ضمن منطقة بئر العزب ـ وكان هذا السور مبنياً من الطين والحجارة بارتفاع ( أربعين قدماً ) وفتحت بهذا السور العديد من الأبواب منها باب خزيمة في الجهة الجنوبية الشرقية وباب الشقاديف في الجهة الشمالية الشرقية ، وباب الروم في الجهة الشمالية وباب القاع في الجهة الغربية ، وباب البلقة في الجهة الجنوبية ، ويلتقي سور مدينة صنعاء القديمة بسور حي بئر العزب في الضلع الشمالي عند باب شعوب ، وفي حوالي عام ( 1036 هجرية ) قام الوالي العثماني " محمد باشـا " بترميم سور مدينة صنعاء القديمة وإعادته على ما كان عليه ، كما قام العثمانيون بترميم باب البلقة وإعادة بناؤه ما بين ( 1871 – 1879 ميلادية ) وفي الفترة ما بين ( 1875 – 1880 ميلادية ) قاموا كذلك بترميم باب اليمن .
ويبلغ طول السور ( السور القديم + سور حي بئر العزب ) حوالي ( 5 أميال ) وفقاً لتقديرات أوردها المؤرخ " محمد بن أحمد الحجري " في كتابه مجموع بلدان اليمن وقبائلها ، وقد بُني السور بكتل من الطين والحصى والتي تُعرف محلياً ـ بالزابور ـ وللسور أبراج مدورة يبلغ عددها حوالي ( 128 برجاً ) ، يبعد كل برج عن الآخر مسافة قدرها ( 50 متراً ) .
10 - المعمار في صنعاء
تبدو مدينة صنعاء وكأنها كائن عضوي ينمو ويمتد في الاتجاهين الأفقي والرأسي بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس التي تجعل منها مدينة حيَّة تلبي المتطلبات الأساسية للإنسان وتشكل مجتمعة أو منفردة تراثاً معمارياً خالداً يحكي قصة تاريخها التليد الذي لم ينحن أمام التيارات المعمارية الحديثة إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري ، فأحد أبنيتها قائم في مكانه منذ ( سبعة قرون ) تقريباً .
11- مساجد صنعاء
من معالم مدينة صنعاء القديمة مساجدها وقد ذكر " الرازي " في كتابه عن صنعاء بأن عددها ( 106 ) ، ولم يبق منها مفتوحاً سوى أربعين مسجداً ، عامرة بالجماعات في الفروض الخمسة ، وقد أضيف لكل مسجد منها حنفيات للوضوء واختفت في بعض المساجد المطاهير مثل الجامع الكبير ، أما المساجد التي بنيت بعد قيام الثورة والجمهورية وإعادة توحيد اليمن فقد تجاوزت المأتيين ـ للجمعة والجماعة ـ وفيها أجنحـة للنساء ، وتحتوى على الحمامات الحديثة وليس فيها مطاهير للوضوء وفرشت بالسجاد الجميل .
فمنذ ظهور الإسلام واعتناق الناس الإسلام ومنهم اليمنيون بدأ اهتمام الناس ببناء المساجد المتواضعة البسيطة الملائمة للبيئة آنذاك ، وخلال فترة ازدهار الدولة الإسلامية تطورت المفاهيم واتسعت المدارك وارتفع الوعي برفع مكانة وشأن المسجد وأصبح المسلمون يتنافسون في بناء المساجد واهتموا بطرق بنائها وتخطيطها وزخرفتها باعتبارها بيوت الله كما أن المساجد قديماً كانت تستخدم في شتى الأغراض الدينية والدنيوية مثل إقامة حلقات التدريس والموعظة فيدرسون الفقه والتفسير والحديث وغيره من العلوم .
ومن المميزات العامة التي يتميز بها الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة والزخرفة التنويع في الزخرفة ، وشموليتها ، وتغطيتها للفراغات ، إن مثل هذه الميزات جعلت من الفن العربي الإسلامي شخصيته المميزة ، وكونت له طابعاً عاماً ووحدة فنية تستطيع التعرف عليه أينما وجد بيسر سواء أكان في مصر أو اليمن أو سوريا أو الجزائر … سواءً من القرن الثامن أو القرن السادس عشر الميلادي ..، ومرد ذلك بالطبع إلى وحدة العقيدة والحضارة والثقافة .
وتعتبر عمارة المساجد أحد فنون العمارة العربية الإسلامية في اليمن ولكي نتمكن من تسليط الضوء على الفن المعماري في تصاميم المساجد القديمة اخترنا نموذجيين من المساجد القديمة في صنعاء ، الجامع الكبير وقبة البكيرية لاختلاف حقبة نشأة كل منهما ، وقمنا بزيارتها ورجعنا إلى عدد من المراجع لإجراء تحقيقات عنها .
الجامع الكبير بصنعاء من أقدم المساجد الإسلامية وهو أول مسجد بني في اليمن ، ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد رسول الله ( ص ) حيث أجمعت المصادر التاريخية على أنه بني في السنة ( السادسة للهجرة ) حين بعث الرسول الله ( ص ) الصحابي الجليل " وبر بن يحنس الأنصاري " والياً على صنعاء ، وأمره ببناء المسجد فبناه ما بين الصخرة الململمة وقصر غمدان ، وكان أول بنائه بسيطاً وصغيراً جداً يتماشى مع عمارة المساجد الأولى فكان مربع الشكل طول ضلعه ( إثنا عشر متراً ) ، له باب واحد من الناحية الجنوبية ، وبه ( إثنا عشر عموداً ) أشهرها " المنقورة " وهو العمود السادس من ناحية الجوار الشرقي الحالي و " المسمورة " وهو العمود التاسع من الناحية الجوار الشرقي ـ أيضاً ـ ، ومقسم من الداخل إلى ثلاثة أروقة ، وكان يوجد بالرواق الشمالي المحراب الأصلي ، فقد تعرض الجامع خلال العصور الإسلامية المتتابعة إلى تجديد وتوسيعات عديدة ، وكان من أوائل هذه التوسيعات قام بها الخلفية الأموي " الوليد بن عبد الملك " (( 86 – 96 هجرية ) ـ ( 705 – 715 ميلادية )) في ولاية " أيوب بن يحيى الثقفي " ، شمل التوسيع في الاتجاه الشمالي ، من ناحية القبلة الأولى إلى موضع القبلة الحالية ، وفي فترة أول والي لبني العباس في صنعاء الأمير " عمر بن عبد المجيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " ، نقلت أحجار أبواب الجامع من " قصر غمدان " ومنها المدخل الذي يقع على يمين المحراب وبه صفائح من الفولاذ متقنة الصنع من ضمنها لوحان مكتوبان بخط المسند ، وفي عام ( 136 هجرية ـ 754 ميلادية ) اجري توسيع على يد الأمير " علي بن الربيع " بأمر من الخليفة " المهدي العباسي " وفقاً للوحة المكتوبة في صحن المسجـد ، وفي عام ( 265 هجرية ) أجري على يد الأمير " محمد بن يعفر الحميري " توسيع كان من ضمنها السقوف الخشبية المصنوعة من خشب الساج خاصة في عمارة الرواق الشرقي والذي يتكون من مصندقات خشبية غاية في الدقة والإبـداع ، إلا أن بعض المؤرخين اليمنيين ينسبون عمارة الرواق الشرقي في الجامع إلى الملكة " أروى بنت أحمد الصليحي " في عام (( 525 هجرية ) ـ ( 1130 – 1131 ميلادية )) ، ويعود تجديد المأذنتين الحاليتين إلى عام ( 603 هجرية ـ 1206 ميلادية ) حيث قام بتجديدها " ورد بن سامي " بعد أن تهدمت وسقطت ، وفي عام ( 1012 هجرية ) قام الوالي العثماني " سنان باشا " ببناء " الصرح " ـ المعروف اليوم بالشماسي ـ برصفه بالحجار كما بنى القبة الكائنة في الفناء ، وقام الحاج " محمد بن علي صبره " بإصلاح المنارة الشرقية في أوائل ( القرن الرابع عشر الهجري ) وفي عام ( 1355 هجرية ـ 1936 ميلادية ) بنى الأمام " يحيى بن محمد بن حميد الدين " المكتبة التي تقع غرب المنارة الشرقية ، وكذلك السقف الأوسط في الجناحين ، كما حفر البئر الغربية للجامع وأصلح سواقيها إلى المطاهير ، وقد وسعت المكتبة في عهد الإمام " أحمد بن يحيي بن حميد الدين " في عام ( 1374 هجرية ) .
12- قصر غمدان :-
من أشهر قصور اليمن في صنعاء ويقول عنه " الهمداني " إنه : ( أول قصور اليمن وأعجبها ذكراً وأبعدها حيناً قصر غمدان وهو في صنعاء ) وقد أختلف الرواة والإخباريون في باني غمدان ، " فابن هشام " ينسبه إلى " يعرب بن قحطان " مؤسسه وقال أكمله من بعده " وائل بن حمير بن سبأ بن يعرب " ، بينما " الهمداني " ينسبه إلى " سام بن نوح " ، إذ يقول : ( والذي أسس غمدان وأبتدأ بناءه وأحتفر بئره التي هي اليوم ساقية لمسجد صنعاء " سام بن نوح " عليه السلام ) ويسرد في ذلك قصة لبنائه ، فقال : ( ارتاد " سام بن نوح " البلاد فوجد اليمن أطيب مسكناً فوضع مقرانته ، فبعث الله طائراً فاختطف المقرانة وطار بها فتبعه " سام " لينظر أين وقع فأم بها إلى جبوب من سفح نقم وطرحها على حرة غمدان فعلم " سام " أنـه قد أمر بالبناء هنالك فأسس غمدان ) .
وقد وصفه " الهمداني " في كتابه الموسوعي " الإكليل الجزء الثامن " بقوله :
يسمو إلى كبد السماء مصُعّداً عشرين سقفاً سمكها لا يقصرُ
وأقدم ذكر لقصر غمدان في النقوش يرجع إلى عهد الملك السبئي " شعرم اوتر " ملك سبأ وذي ريدان في عام ( 220 للميلاد ) ، والنقش يذكر فيه قصريين هما قصر سلحين في مأرب وقصر غمدان في صنعاء ، وهناك نقش أخر يعود تاريخه إلى منتصف ( القرن الثالث الميلادي ) في عهد الملك " إل شرح يحضب " ملك سبأ وذي ريدان .
في حين تذكره دائرة المعارف البريطانية بأنه ورد في بعض النقوش التي وجـدت في بعض الأحجار المتكسرة والتي تعود إلى ( القرن الأول الميلادي ) .
وقد بالغ الرواة في وصفه وإبراز عظمته ، إذ قيل أنه كان مربعاً أركانه مبنية بالرخام الملون وفيه ( سبعة سقوف ) طباقاً ما بين السقف والآخر خمسون ذراعاً ، ويروى " الهمداني " على رغم بعض الروايات أنه ( عشرون سقفاً ) ، ويقول " وكان غمدان ( عشرين سقفاً ) غرفاً بعضها على بعض واختلف الناس في الطول والعرض فقائل يقول كل وجه غلوة بالغة ، وقائل يقول كان أكثر ، وكان فيما بين كل سقفين ( عشرة أذرع ) .
والمقصود أن يؤلف كل ما بين سقفين طابق واحد ويلف السقفين حزام مزخرف ، ويكون ارتفاع الطابق من ( عشرة أذرع ) ، ويكون القصر في الواقع ( عشرين سقفاً ) ، إذا اعتبر أن الذراع يقدر ما بين ( 40 - 50 سم ) فيكون ارتفاع كل طابق ( 4 مترات ) والحد الأدنى لارتفاع القصر كله ( 35 ـ 40 متراً ) .
ويقال إنه كان له أربعة أوجه ، وجـه مبنٍ بحجارة بيضاء ، ووجه بحجارة سوداء ، ووجه بحجارة خضراء ، ووجه بحجارة حمراء ، وكان في أعلاه غرفة لها لهج ، وهي الكوى كل كوة منها بباب رخام في مقيل من الساج والأبنوس وسقف للغرفة رخامة واحدة صفيحة ، وكانت غرفة الرأس العليا مجلس للملك عليها حجر من الرخام ، وكان في زواياه الأربع أربع أسود من نحاس أصفر خارجة صدورها فإذا هبت الريح من أجوافها زأرت كما يزأر الأسد ، وكانت الغرفة تحت بيضه رخام من ثمان قطع مؤلفة يثقبون فيها السرج فترى من رأس عجيب ولن ترى فيها حمرة النار مع الرخام المسطوحة ، وبناء قصر من الحجر بارتفاع ( 40 متراً ) هندسياً ليس بالأمر السهل فالطوابق السفلى كانت مبنية من " الجروب " وهي أحجار كبيرة سوداء صلدة مهندمة ـ موقصة ـ ويبرز كل صف علوي عما يعلوه بمقدار ( سنتمتر ونيف ) ليعطي قوة تحمل كبيرة والأعلى كان من الرخام المصقول ، وكانت حجارته متلاحمة بالقطر " مترابطة بالمعدن المذاب " وكان معصباً ومنطقاً ومؤزاً ، وهذه إشارات إلى تشقير أعلاه وتزيين ما بين طوابقه بالأحجار شبه الكريمة كالجزع ، وقد شيد برأس القصر منظر " غرفة عليا " أطبق سقفها برخامة واحدة شفافة ، فيعرف الجالس في الغرفـة بها العزاب مـن الحدأة من تحت الرخامة ، وكان يتصدر مدخل القصر
ساعة مائية وتزين فناءه حديقة وقنوات جارية ونخلة تسمى الرامقة .
ولقد تهدم قصر غمدان بحكم تقادم العهد ، وزاد من انهياره معاقل الحضارة اليمنية القديمة ، وهدمه قد مر بمراحل منها ما أصابه من حريق أيام الغزو الحبشي لليمن في حوالي ( 525 للميلاد ) ، وجزء هدم في حياة الرسول ( ص ) ، وبأمر مباشر منه " لفروة بن مسيك المرادي " ولم يكمله ، ثم هدم جزءاً آخر عند وفاة الرسول أو عقب وفاته مباشرة ثم تهاوى ما تبقى منه في أيام الخليفة الراشد " عثمان بن عفان " .
13- غرقة القليس :
تمكن الأحباش من هزيمة آخر ملوك الدولة الحميرية " يوسف اسأر يثأر " حوالي ( 523 - 525 ميلادية ) ، وبعد سيطرتهم على صنعاء اتخذوها عاصمة لليمن ، وباشر " إبرهة بن الصباح الحبشي " بناء الكنسية القليس التي أراد أن يصرف العرب إلى عبادتها بدلاً من الكعبة في مكة المكرمة ، وقد استخدم أسطورة تقول أن المسيح سيعود إلى صنعاء وسيصلي في مكان ما فيها لتبرير بناء الكنيسة على نفس مستوى الكنائس المشهورة التي يُحج إليها مثل كنيسة قبر المسيح في القدس التي بنيت خلال الفترة ( 328 – 336 ميلادية ) ، كنيسة الميلاد التي بنيت في بيت لحم سنة ( 333 ميلادية ) ، ويعتبر بناء كنيسة القليس من المعالم البارزة في تاريخ العمارة اليمنية في صنعاء ، ووفقاً لدراسة أسلوب بناء أعمدة وتيجان أعمدة كنيسة القليس هناك احتمال قوي بأن أسلوب البناء جاء من أسلوب بناء كنيسة مدينة ظفار التي شيدت ضمن عدد من الكنائس في اليمن خلال ( القرن الرابع الميلادي ) في نجران وبخاصة في ظفار في سنة ( 354 ميلادية ) .
وتقع كنيسة القليس داخل المدينة القديمة في غربي قصر السلاح بحارة غرقة القليس حيث يوجد فيها صرحة واسعة حفر في وسطها غرقة القليس ، والقليس معناها الكنيسة ، وهي المقابل العربي للفظة اللاتينية " ايكليسيا " ، وربما كانت قلبا لكلمة ( السامية القديمة ) كنيس ومنها كنيست أي المجمع ، والبعض يعيد القليس لارتفاع بنيانها وعلوها ومنه القلائس لأنها في أعلى الرؤوس .
وقد وصف " رونالد ليوكوك " بنيان كنيسة القليس بأنها محاطة بفضاء فسيح للتنزه ، وأنشئ مدخل الكنيسة على الجانب الغربي ويتم الوصول إليه بارتقاء سلم شديد الانحدار من المرمر ، وشيد المبنى بكامله على مرتفع يزيد ارتفاعه عن خمسة أمتار وطليت أبوابها بالذهب والفضة ، وكان يوجد من الداخل جناح ثلاثي ، طوله ( خمسون متراً ) وعرضه ( خمسة وعشرون متراً ) تقريباً ، ويرتكز عقده على أعمدة من الخشب الثمين والمزين بالرسوم وبمسامير من الذهب والفضة ، ثم الجناح المصالب ذي الأقواس بعرض ( 12 متراً ) ، يقطع الجناح أروقة مزينة بالفسيفساء التي تمثل أشجاراً وغابات مزينة بنجوم من الذهب ، وأخيراً فإن هذه الكنيسة كانت على شكل قبة بقطر حوالي ( عشرين متراً ) وجـدرانها المغطاة بالفسيفساء تمثل صليباً من الذهب والفضة ، وفي مركز القبة لوحة من الرخام البراق تسمح بمرور النور ، وكان البلاط المستخدم من المرمر الملـون ، ويبدو أن الجناح المصالب قد كان منفصلاً عن الجناح بسلسلة من العقود المرتكزة على دعائم من المرمر ، يكونها حاجز ضخم من الأبنوس ومن الأخشاب الثمينة الأخرى المرصعة بالعـاج ، منقوشة بصورة رائعة ، وأمام الهياكل ـ المذابح المقدسة ـ كانت الأبواب المموهة بالذهب والمرصعة بالأحجار الكريمة ، وفي وسط كل لوحة كان يوجد صليب من الذهب ومن حول هـذه الجواهر حفرت زهور مختلفة تولد حالة من الاندهاش لدى الزائر .
وتيجان الأعمدة وجذوعها مزينة على كل وجه بأزواج من أوراق الأقنشيات المتعارضة والمنمنمة مائلة الأقواس نصف الدائرية ، ومحيطة في الغالب بصليب ، وكانت جذوع الأعمدة إسطوانية الشكل مغطاة بتشبيك زهري من رسوم الكروم الملتوية وقد هدمت في بداية ( النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ) في عام ( 753 ميلادية ) .
كما وصفها السيد " صارم الدين بن إبراهيم الوزير " المتوفى سنة ( 924 ميلادية ) ، فقال ما خلاصته : " القليس كنيسة " إبرهة الحبشي " سميت بذلك لارتفاع بنائها ، وكان إبرهة قد حاول إذلال أهل اليمن وإخضاعهم فلما عزم على عمارة هذه الكنيسة أمرهم بنقل ما في قصر بلقيس من أحجار منقوشة بالذهب والفضة ورخام فجزع ، ثم جد في بنيان الكنيسة ، وجعلها مربعة وبناها بتلك الحجارة منقوشة لا تدخل الإبرة في أطيانها وجعلها ملونة : وأحجارها من الأخضر والأحمر والأبيض والأزرق والأسود وجعل دائرها مفصلاً على هذه الصنعة ثم فصل فوق الرخام بحجارة سوداء لها برق جلبها من جبل نقم المشرف على صنعاء ، وكان عرض الحائط ( ستة أذرع ) ، والمدخل منه إلى جوف الكنيسة طوله ( ثمانون ذراعاً ) وعرضه ( أربعون ذراعاً ) ، عوده من العاج المنقوش وفيه مسامير الذهب والفضة ، ثم يدخل من ذلك البيت إلى ديوان طوله ( أربعون ذراعاً ) عن يمينه وعن يساره عقود عاجية تتلألأ ككواكب الذهب والفضة ثم ذهب جدرانها وسقوفها ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج وغيرها فصارت تلتهب التهاباً ، وجعل فيها قناديلاً من الذهب والفضة والبلور تطلى بأطيب الأذهان وجعل أبوابها من العاج المصفح بالذهب والفضة ، فلما هلك إبرهة ومزقت الحبشة كل ممزق أقفر ما حول هذه الكنيسة وكثرت حولها الحيات فلا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئاً ، وكان الاعتقاد أن من هم بشيء من ذلك لأخذ شئ أصابه عمى ، ولم تزل هذه الكنيسة كذلك في زمن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأيام بني أمية إلى زمن " أبي العباس " السفاح فذكر له أمرها فبعث " العباس " " بن الربيع " عاملاً له على اليمن فوصل معه أهل الحزم والجلادة ولم يلبث أن أمر بخرابها فخاف الناس .. ثم أن قوماً تقدموا فخربوها على وجل ورعب شديد فاجتمع منها مال عظيم حمل إلى السفاح ، وقد نزلت بالذين خربوها ضروب من الآلام من جنون وجذام فازداد الفاعلون تطيراً بذلك ثم عفا رسمها وانقطع خبرها .
أمَّا " ياقوت الحموي " فقال في وصفها : ( بأنها الكنيسة التي بناها " إبرهة بن الصباح الحبشي "، وقد كتب على بابها بخط المسند " بنيت هذا لك من مالك ليذكر فيه اسمك وأنا عبدك " وقد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعاً من السخر ، وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر " بلقيس " صاحبة " سليمان عليه السـلام " ، وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ ، وكان فيها بقايا من آثار ملكهم فاستعان بذلك على ما أراده من بناء هذه الكنيسة وبهجتها وبهائها ، ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج الآبنوس " وكان أراد أن يرفع في بنيانها حتى يشرف منها على عدن "
وكان حكمه في الصانع إذا طلعت الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن تقطع يده ، فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت أمه وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تتشفع لابنها فأبى إلا أن تقطع يده فقالت : اضرب بمعولك اليوم فاليوم لك وغداً لغيرك قال لها ويحك ما قلت ؟ قالت نعم ، كما صار هذا الملك إليك من غيرك سيصير منك إلى غيرك فأخذته موعظتها ، وعفا عن ولدها وعن الناس من العمل فيما بعد ، فلما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق وأقفر ما حول هذه الكنيسة ، ولم يعمرها أحد كثرت حولها السباع والحيات ، وكان كل من أراد أن يأخذ منها أصابته الجن فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والآلات من الذهب والفضة ذات القيمة الوافرة والقناطير مـن المال لا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً إلى زمان أبي العباس السفاح فذكر له أمرها فبعث إليها خاله " الربيع بن زياد الحارثي " عامله على اليمن وأصحبه رجالاً من أهل الحزم والجلد حتى استخرج ما كان فيها من الآلات والأموال وخربها حتى عفا رسمها وانقطع خبرها .
ولما استتم " إبرهة " بنيان القليس كتب إلى " النجاشي " أنا قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنة حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدث الناس بكتاب " إبرهة " الذي أرسله إلى " النجاشي " غضب رجل من بني " فقيم من عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر " ، فخرج حتى أتى القليس وقعد فيها يعني أحدث وأطلى صيطانها ثم خرج حتى لحق بأرضه ، فأخبر " إبرهة " فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : هذا فعل رجل من أهل البيت الذي يحج إليه العرب بمكة لما سمع قولك اصرف إليها حج العرب غضب فجأة فقعد فيها أي إنها ليست لذلك بأهل ، فغضب " إبرهة " وحلف ليسيرن حتى يهدمه وأمر الحبشة بالتجهيز فتهيأت وخرج ومعه الفيل فكانت قصة الفيل المذكورة في القرآن العظيم .
14- سوق صنعاء :-
يقع السوق في مكان متوسط من قلب مدينة صنعاء القديمة شرق السايلة بين باب اليمن وباب شعوب ، ويتآلف من عدة أسواق خصص كل منها لحرفة أو بضاعة مهمة وهذه الأسواق جميعها يضمها اسم واحد وهو " سوق الملح " .
ويعتبر سوق صنعاء من أبرز الملامح التقليدية لمدينة صنعاء القديمة فهو من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام ، ومما ساهم في تنشيط حركة السوق ورواج تجارته موقع مدينة صنعاء على طريق القوافل التي كانت تحضر أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام ، إضافة إلى كونه يقع على طريق الحجيج بعد الإسلام ، فازدادت أهميته لذلك نجد له وصفاً عند الإخباريين ( القرن الخامس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي ) في كتاب تاريخ صنعاء للرازي حيث ذكر وجود ( 23 سوقاً ) وكان موعد السوق بعد الانتهاء من سوق عدن ، فكان العرب يأتونه بعد فراغهم من سوق عدن ، ويستمر من نصف رمضان حتى أواخره ، ويأتيه التجار بالقطن والزعفران والأصباغ وغيرها ، مما لا يوجد في السوق ، ويشترون منه ما يريدون من البز والحرير وغيرها مما هو موجود في السوق ، ولم تكن الحركة التجارية متروكة لهوى أصحابها بل كان هناك قانون خاص يحدد الصورة التي يمكن التعامل بها في أسواق صنعاء وأقدم قانون عُثر عليه يعود إلى سنة ( 1161 هجرية ) صدر في عهد الإمام " القاسم عبد الله بن المتوكل أحمد " وقد شمل جميع أنواع التجارة والحرف الرفيعة والوضيعة من بيع وشراء ونقل وحمالة وأجورها إلى جانب تحديد معدلات الربح والمكاييل والمقاييس والعقاب والثواب .
وفي عام ( 1763 ميلادية ) زار سوق صنعاء " نيبور " ووصف أزقته المتخصصة في بيع مختلف البضائع والمواد واستطاع أن يحصي أكثر من عشرين نوعاً من العنب .
وقال ( والترد وستال ) في كتابه ( سوق صنعاء ) الذي صدر عام ( 1979 ميلادية ) ، بأن خطة السوق الحالية هي نتيجة تغيرات بنائية ومكانية عبر التاريخ وتعكس تلبيته للحاجات المستحدثة
15- السماسـر
السمسرة كمنشأة معمارية تؤدي وظيفة اجتماعية واقتصادية ارتبط ظهورها بنشوء وتطور الإنتاج الحرفي خلال مرحلة انفصال الزراعة عن الرعي ونمو المراكز التجارية من أجل التبادل السلعي ، لقد هيئ التطور النسبي الرفيع للتقسيم الاجتماعي الشروط الضرورية لنشوء مراكز تجارية كبيرة على امتداد الساحة ، ولذلك تعتبر السماسر من مكونات مدينة صنعاء كحاضرة ومركز تجاري .
بانتقال مركز الحضارة اليمنية من مأرب إلى ظفار ( ذو ريدان ) في محافظة إب تحول مسار الطريق التجاري القديم عبر الهضبة اليمنية وعرف ( بدرب أسعد الكامل ) ، وكانت صنعاء أهم محطاته الرئيسية ؛ مما زاد من أهمية السماسر لتلبية الاحتياجات الجديدة ، وتوسع بناء السماسر فيها حيث كانت تقدم خدمات الإيواء للمسافرين وحفظ المتاع والبضائع والراحة والتزويد بالمؤن لمواصلة السفر والترحال ، وكانت تلك السماسر بمثابة الشكل الجنيني لما يسمى ( بالخدمات الفندقية اليوم ) ، ومن السماسر التي كانت قائمة في سوق صنعاء قديماً هي :-
1- سمسرة محمد بن حسن التي كانت بمثابة بنك للتجار تحفظ فيها البضائع الثمينة والنقود من الذهب والفضة
2- سمسرة سوق العنب
3- سمسرة سوق النحاس
4- سمسرة الجمرك وفيها كان يتم وزن بضائع التجار لتحديد الرسوم الضريبية عليها
5- سمسرة دلال وغيرها من السماسر العديدة التي كانت منتشرة بكل تقسيمات السوق بحسب نوع البضاعة .
ويدل العدد الكبير لهذه المنشآت على حجم التبادل التجاري الكبير وسعة النشاط التجاري الضخم لسوق صنعاء الذي كان مقصداً للتجار من جميع مراكز التبادل السلعي في داخل اليمن وخارجها مثل تجار الشام والحيرة وفارس والهند ، وكانت لهذه السماسر ضوابط قانونية صارمة في تأدية مهامها .
16- الحمامات العامة :
التسمية : سُمي حماماً ـ مفرد الحمامات ـ لما فيه من كم الماء الحار ، ولأن من يدخله يعرق أخذ له هذا الاسم من الحميم ، وهو الماء الشديد الحرارة ، ومنه الحَمه ( بفتح الحاء والميم المشددة ) وهي عين فيها ماء حار ينبع ، يشفى بها العليل ، وأخذ له هذا الاسم أيضاً من العرق ، والعرق يسمى حميماً على التشبيه ، يقال استحم الرجل إذا اغتسل بالماء الحميم ، ثم كثر حتى استعمل الاستحمام في كل ماء ، وأصبح الحمام مكاناً للاستحمام .
منذ أن بدأت تبرز ملامح صنعاء كمدينة حضرية في مراحلها الأولى وتوسعت نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية رافق ذلك توسع عمرانها ووضوح مكونات منشآتها الخدمية العامة منها على سبيل المثال تشييد مرافق الحمامات العامة كمنشآت حضارية تساهم في تلبية متطلبات النظافة بصورة أرقى لما قبلها حيث اعتمد سكان صنعاء قديماً أقبل وجود الغسيل والصابون ، على مياه الغيل الأسود الذي كان مساره بجانب مسجد المتوكل إلى ضواحي شعوب ثم الروضة ، وكان الناس ينتشرون على ضفتي الغيل للاستفادة من المياه الجارية في الغسيل بحسب ضوابط عرفية معينة ، واستمر هذا الغيل حتى بعد قيام الثورة اليمنية ( 1962 م ) ثم أدركه الجفاف بينما كانت تجري أربعة غيول أخرى وجفت في مراحل تاريخية سابقة .
وقال الرازي إن حمامات صنعاء كان عددها ( أثنى عشر حماماً ) بما فيها حمامات حي بير العزب وحي القاع ( قاع اليهود قديماً ـ قاع العلفي حالياً ـ ) ، بينما تقسيمات عدد الحمامات العامة في أحياء صنعاء تدل أن عددها أربعة عشر حماماً وذلك كما يلي :-
أ - حمامات حي صنعاء القديمة هي :
1- حمام السلطان 2- حمام شكر 3- حمام القزالي
4- حمام سبأ 5- حما الأبهر 6- حمام الطوشي
7- حمام ياسر 8- حمام الميدان 9- حمام القوعه
وجميعها تنتشر في حارات صنعاء القديمة وتزود بالمياه من الآبار حيث كان يتبع كل حارة بير للمياه أو أكثر ، ويسود الاعتقاد أن حمام سبأ قديم ، وكذلك حمام ياسر الذي ربما ينسب إلى الملك الحميري " ياسر يهنعم " .
أما بقية الحمامات فيعود تاريخها إلى المراحل المختلفة من عصر الإسلام .
ب - حمامات حي بير العزب هي :-
1- حمام البونية 2- حمام علي
ويعتقد أن تاريخها يعود إلى ( القرن السادس عشر الميلادي ) وهو تاريخ بناء الحي من قبل العثمانيين خلال الفترة الأولى لحكمهم اليمن .
ج- حمامات حي قاع العلفي هي :-
1- حمام السلطان 2- حمام المتوكل 3- حمام الفيش
ويعود تاريخها إلى مطلع ( القرن الثامن عشر الميلادي ) عندما أنشأ الإمام المتوكل " القاسم " عدداً من المنشآت الخدمية في حي القاع منها تلك الحمامات .
- من حيث التخطيط المعماري لبناء الحمامات متشابهة في أنماط تصميمها بشكل عام على هيئة مستويات عديدة تتضمن حجرة المياه الساخنة بالإضافة إلى صالة خلع الملابس وهي بذلك متأثرة بطراز بناء الحمامات الرومانية الذي انتشر كثيراً في طراز بناء الحمامات الإسلامية المبكرة مثل حمام قصر عمر في بادية الشام ، والعديد من حمامات صنعاء تغطيها القباب في المساحة التي تلي المدخل الرئيسي مباشرة وبأسفلها توجـد سقيفة مستديرة الشكل ، وباطن تلك القباب زينت بزخارف جصية كتابية بالإضافة إلى زخارف نباتية وهندسية جميلة .
مصادر وقود الحمامات العامة كانت قديماً كلاسيكية أمَّا حالياً تم استبدالها بمادة الديزل .
كيفية عمل الحمامات العامة تبدأ من الساعة ( 8 صباحاً ) وتستمر باستقبال المريدين حتى آخر النهار قبل الغروب وتدار بواسطة حمامين يجيدون مهنتهم ، وخلال أيام الأسبوع تقسم أيام محدودة خاصة بالنساء وفيها يتم إدارة الحمامات من قبل نساء وكذلك أيام محددة خاصة بالرجال وفيها تتم الإدارة من قبل الرجال .
وأثناء ممارسة الاغتسال يوجد مساعدون في عملية التدليك لمن يطلب ذلك بحيث تضاف قيمة أجور التدليك إلى قيمة أجر الاغتسال رجالاً للرجال ونساءاً للنساء .
ومع تطور الحياة الاجتماعية والتقنيات التكنولوجية في الوقت الحاضر انتشرت الحمامات الحديثة المزودة بالتجهيزات الصحية في إطار المنازل الخاصة لبعض الشرائح الاجتماعية وقل الطلب نسبياً على الحمامات العامة القديمة ـ وفي نطاق أحياء صنعاء التاريخية ـ ولكن مع توسع مدينة صنعاء حالياً وظهور أحياء حديثة كبيرة توسعت حتى سفوح الجبال أنشئت حمامات عامه حديثة تعمل بأساليب متطورة .
كانت المدينة القديمة لا تمثل سوى مساحة صغيرة من قاع صنعاء الفسيح الذي يمتد من جبل نقم شرقاً إلى جبل عيبان غرباً ، وربما الحصن التاريخي الموجود فوق سفح جبل نقم في الطرف الشرقي من مدينة صنعاء القديمة كان يمثل النواة الأولى للمدينة ، وقد عرف فيما بـعد باسم " قصر غمدان " ثم تطورت المدينة وأصبح لها سور دائري وفي وسطها موضع " القليس " قبل الإسلام ومع مجي الإسلام استجاب باذان ـ عامل الفرس على اليمن ـ مع أهل اليمن لدعوة رسول الله ( ص ) سنة ( 627 ميلادية ) ، ودخلوا في الدين الإسلامي فعينه رسول الله ( ص ) والياً على صنعاء وكانت المدينة القديمة مقر الوالي فبني الجامع الكبير في السنة ( السادسة للهجرة ) فاكتسبت ملامح جديدة فقد دخلها عدد من أصحاب رسول الله ( ص ) ، وظلت محافظة على أهميتها وأصبحت مركزاً دينياً وتنويرياً فزاد اتساعها في العهود الإسلامية المتلاحقة ، فبعد أن كانت صنعاء القديمة تقع في الجانب الشرقي من وادي السايلة كمدينة مسورة بها حصن يقع في الطرف الشرقي من المدينة على منطقة مرتفعة تحتها تقع الأسواق والجامع الكبير ، ومن الفترات التي توسعت فيها مدينة صنعاء عهود كل من الدولة الهمدانية ( القرن السادس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي ) والدولة الأيوبية ( القرن السابع الهجري ـ الثاني عشر الميلادي ) ، وينسب تجديد سورها إلى السلطان " طغتكين بن أيوب " ، فأصبحت تضم المباني الهامة من الوجهة التاريخية ذات الطابع الجمالي الخاص والعمراني الفريد وفي العهد العثماني الأول ( المائة العاشرة للهجرة ) بني في شرقها جامع البكيرية وحمام الميدان على الطراز العثماني وفي جهة الغرب امتدت إلى مجرى السايلة ومد سورها إلى باب السبح ، كما أنشئ حي النهرين في غربي المدينة وأقيم على طرفه الجنوبي مقر الحاكم عرف ومازال بـ " بستان السلطان " وكان موضعه قبل ذلك مقابر لعظماء همدان .
اًحياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري ومستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية ، وحتى العصر الحديث بقيت صنعاء تحافظ على إيقاع مريح في التزاوج بين نسيجها المعماري في حالته التقليدية ومتطلبات الحياة العصرية ، إلا أنها واجهت أضراراً بالغة بفعل تأثيرات حركة السيارات التي غزت المدينة فسببت انفجارات لأنابيب المياه والصرف الصحي فأحدثت تشرخات في أساسات بعض المباني هذا بالإضافة إلى هدم أسوار المدينة وبعض المعالم القديمة وكذا تخلي عدد من ملاك المنازل والقصور الكبيرة عنها بانتقالهم إلى الأحياء الجديدة ، ولأن مدينة صنعاء القديمة كانت تمثل استمراراً هاماً للقيم الثقافية والتاريخية ورمزاً لبقائها حية كعاصمة تاريخية لليمن الحديث ، فقد صدرت قرارات عديدة تهدف إلى حمايتها من الانهيار وكان منها القرار الصادر في عام ( 1984 ميلادية ) الخاص بإنشاء لجنة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة وتحسينها ، وكان من أهم مهامها العمل على وقف مظاهر التدهور والانهيارات واستعادة حيويتها وجمالها ثم تطورت اللجنة إلى هيئة عامة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة ثم إلى هيئة عامة للحفاظ على المدن التاريخية ، ونظراً لمكانتها في التراث العالمي الإنساني تبنت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو ) حملة دولية لحماية وتحسين مدينة صنعاء القديمة والحفاظ على معالمها وطابعها المعماري الفريد وتطوير الخدمات وإبراز التراث الحضاري فيها ، فقد أتخذ المؤتمر العام لليونسكو في دورته المنعقدة في بلجراد عام ( 1980 ميلادية ) ، قراراً يشمل قيام حملة دولية لصيانة مدينة صنعاء القديمة ، وقد شارك في تمويل الحملة عدد من الدول الصديقة ، وكان من أهداف الحملة ، حماية المدينة والقيام بدراسات عميقة لتراث المدينة وتقاليدها وإعادة المباني الرئيسية فيها ، فقد تم ترميم أجزاء من السور المحيط بالمدينة الذي تعرض للانهيار ، وترميم عدد من المنازل الآيلة للسقوط ، وترميم باب اليمن كاملاً ، واستكمال عمليات الصرف الصحي وترميم السايلة وغيرها ، إضافة إلى تنظيم عدد كبير من الندوات والملتقيات العلمية قدمت فيها دراسات وأبحاث علمية متخصصة لعدد كبير من الباحثين والمتخصصين المحليين والدوليين والتي انتهت بالخروج بتوصيات تهدف إلى دعم الحملة الدولية وإنجاح صيانة المدينة .
أمَّا تخطيط المدينة فيعتمد أساساً على نظام الحارات فالبنايات رغم أنها تبدو متلاصقة عن بعد إلا أن الأزقة تخترقها بطريقة منظمة ، بحيث يكون في كل حارة مسجد وأمامه بستان ( مقشامة ) يمَّول سكان الحارة بما يحتاجونه من خضر وفاكهة ، وشوارع المدينة ضيقة ، وهي تصب في الأسواق وكثافة السكن حولها عالية جداً ، كما أن تخطيط المدينة يقـوم على أساس نظام الطوابق المتعددة .
تعد الأسوار من أساسيات البناء المعماري القديم لجملة من الأسباب منها ما يتعلق بإكساب المدينة مظهراً جمالياً خارجياً ومنها ما يتصل بالوقوف في وجه متغيرات العوامل الطبيعية كالكوارث من فيضانات وسيول وعواصف ، وكذلك حماية المدن عند تعرضها للغزو والعدوان حيث تعد الأسوار حائطاً دفاعياً صلداً للوقوف بثبات في وجه المعتدين وتعزيز الصمود والمقاومة ، ولصنعاء المدينة التاريخية سور منيع محيط بها من جميع الجهات الأربع وبدايات هذا السور موغلة في القدم حيث يتبين أن أول من أقام السور هو الملك السبئي " شعرم أوتر" الذي حكم خلال ( الربع الأخير من القرن الثاني الميلادي إلى الربع الأول من القرن الثالث الميلادي ) حيث أورد مؤرخ اليمن" الهمداني " في موسوعته كتاب " الإكليل " بأنه هو أول من أحاط صنعاء بحائط ، ويؤيد صحة ذلك العثور على نقش خاص بالملك " شعرم أوتر " ذكرت فيه مدينة صنعاء كالتالي ( جنأ / صنعاء ) وكلمة " جنأ " في النقوش القديمة المسندية معناها السور ، وللسور القديم أربعة أبواب رئيسية هي على النحو التالي :
-1- باب اليمن : وهو باب ينفذ إلى الجهة الجنوبية ـ وما كان جنوباً يسمى يمناً عند الأقدمين لوقوعه على يمين الكعبة المشرفة ـ ، وقد عُرف باب اليمن بأسماء أخرى لم تكتسب شهرة التسمية الأصلية مثل ( باب عدن ) ، ( باب غمدان ) ، ( باب الحرية ) والأخير عقب قيام الثورة اليمنية ، ويعد باب اليمن أجمل أبواب المدينة صنعاً ، وأكثرها عرضاً وترتيباً ، وهو الباب الوحيد المتبقي بصورة سليمة ولم يتعرض للهدم والتخريب كبقية الأبواب الأخرى .
-2- باب شعوب : وهو باب ينفذ إلى حي شعوب في الجهة الشمالية .
-3- باب ستران : وهو باب يؤدي وينفذ إلى الجهة الشرقية باتجاه القلعة وجبل نقم وعُرف باسم آخر هو ( باب القصر ) .
-4- باب السبحة : وهو باب ينفذ إلى الجهة الغربية باتجاه الحقل وحي بئر العزب ، وسمى ـ أيضاً ـ ( باب السبح ) ، أما الأبواب الأخرى غير الرئيسية فهي :-
* باب خزيمة : - وهو باب باتجاه الجنوب يؤدي إلى مقبرة خزيمة ، وهو تابع للسور الخاص بحي بئر العزب .
* باب الشقاديف : - وهو باب باتجاه الشمال ويعُرف ـ أيضاً ـ باسم ( باب الحديد ) ويتبع هذا الباب السور الخاص بحي
بئر العزب .
* باب البلقة :- وهو باب باتجاه الجنوب وهو أصلاً جزء من السور الخاص بمنطقة قاع اليهود .
* باب الروم :- وهو باب باتجاه الشمال الغربي يتبع السور الخاص بحي بئر العزب .
* باب القاع :- وهو الباب الآخر للسور الخاص بمنطقة قاع اليهود .
والأبواب السالفة الذكر هي أبواب لأسوار خاصة بحي بئر العزب وقاع اليهود اللذين أنشآ نتيجة للتوسع خارج إطار مدينة صنعاء القديمة المسورة وذلك خلال عهد الأيوبيين ومن بعدهم العثمانيين ـ الأتراك ـ ، ونظراً لسماكة ومناعة جدار السور القديم فقد كان سطح السور يتسع لتمشي فيه ثمانية خيول مجتمعة ، وذلك وفقاً لمشاهدة الرحالة الإيطالي " الوم كوستا " في ( القرن التاسع هجري ) ، كما توجد ممرات في وسط السور يمكن لفارسين أن يمشيا مجتمعين معاً أثناء التجوال والحراسة ، كما استعمل الممر نفسه لمرور عربات المدافع القديمة في حالات الدفاع عن المدينة لحمايتها من العدوان .
- المراحل التاريخية للسور :- يمكن أن نؤرخ للسور وفقاً للمراحل المختلفة التي مر بها بنائه وذلك لما تقتضيه احتياجات التوسع وازدهار النشاط الاقتصادي والزيادات السكانية ، كذلك أعمال الترميم والإصلاحات التي تمت كنتيجة للأضرار التي لحقت بالسور بسبب التقادم والعوامل الطبيعية والمناخية وبسبب التدمير والعبث الذي يقوم به الإنسان لعوامل عدة منها ما يتصل بالجهل والتخلف مما يجعل البعض يقوم بتخريب أجزاء من السور أو البناء في موقع السور ، ومنها ما يتصل بأعمال الحروب والغارات على المدينة وسورها إبان فترات الصراع السياسي الطويل الأمد للسيطرة على مدينة صنعاء نظراً لأهميتها من حيث موقعها ودورها التاريخي ، ويمكن ذكر مراحل بناء السور القديم والإضافات التي تمت ، وأعمال الصيانة والترميم وفقاً لما تورده المصادر والمراجع التاريخية ومن المؤكد أن هنالك أعمال بناء لأجزاء من السور أو ترميمات لم يرد ذكرها وذلك كما يلي :
- السور القديم بأبوابه الأربعة المعروفة والسالف ذكرها وقد بناه وفقاً لما ورد سابقاً الملك السبئي " شعرم أوتر " في حوالي أواخر ( القرن الثاني الميلادي ) ، بداية الربع الأول من ( القرن الثالث الميلادي ) .
- المراجع التاريخية تشير إلى أن أول من قام بترميم سور صنعاء القديم وإعادة بناء أجزاء منه بالحجر والجص الملك " علي بن محمد الصليحي " ، وركب عليه ( سبعة أبواب ) وكان ذلك في ( القرن السادس الهجري ) .
- في عهد الدولة الأيوبية :- عند معرفة وسماع السلطان " علي بن حاتم الهمداني "ـ أحد حكام دولة بن حاتم ـ بقدوم " توران شاه الأيوبي " إلى صنعاء في سنة ( 570 هجريـة ) قام بهدم السور وتكسير خنادقه ، وفقاً لرواية المؤرخ " الحسن بن علي الخزرجي " التي أوردها فـي كتابه ( المسجد المسبوك لمن ولي اليمن من الملوك ) ، وذلك بهدف جعل الأيوبيين مكشوفين عند دخولهم المدينة مما يمكن بني " حاتم " من شن غارات سريعة وخاطفة بما يشبه حرب العصابات وقد قام السلطان " طغتكين الأيوبي " بإعادة بناء السور في أواخر ( القرن السادس الهجري ) ، كما تم التوسع في العصر الأيوبي حيث امتدت باتجاه الغرب فيما عُرف ببستان السلطان فقد قام السلطان " طغتكين الأيوبي " بتسوير الجزء المستحدث ووصله بسور المدينة القديمـة ، بحيث أصبحت السائلة محصورة بين السورين ، ويبلغ عرض السائلة حوالي ( 30 متراً ) وقد تم توصيل جزئي المدينة بواسطة خنادق فوق السائلة وذلك لتسني مرور الناس وأمتعتهم ـ خاصة في الفترات التي تكون السائلة مليئة بمياه الأمطار ـ .
- في عهد العثمانيين ـ الأتراك ـ : فقد تم استحداث حي بئر العزب وتسويره ، كما قاموا بعمل سور يضم منطقتي " بئر العزب " و " قاع اليهود " ـ عندما دخل حي قاع اليهود ضمن منطقة بئر العزب ـ وكان هذا السور مبنياً من الطين والحجارة بارتفاع ( أربعين قدماً ) وفتحت بهذا السور العديد من الأبواب منها باب خزيمة في الجهة الجنوبية الشرقية وباب الشقاديف في الجهة الشمالية الشرقية ، وباب الروم في الجهة الشمالية وباب القاع في الجهة الغربية ، وباب البلقة في الجهة الجنوبية ، ويلتقي سور مدينة صنعاء القديمة بسور حي بئر العزب في الضلع الشمالي عند باب شعوب ، وفي حوالي عام ( 1036 هجرية ) قام الوالي العثماني " محمد باشـا " بترميم سور مدينة صنعاء القديمة وإعادته على ما كان عليه ، كما قام العثمانيون بترميم باب البلقة وإعادة بناؤه ما بين ( 1871 – 1879 ميلادية ) وفي الفترة ما بين ( 1875 – 1880 ميلادية ) قاموا كذلك بترميم باب اليمن .
ويبلغ طول السور ( السور القديم + سور حي بئر العزب ) حوالي ( 5 أميال ) وفقاً لتقديرات أوردها المؤرخ " محمد بن أحمد الحجري " في كتابه مجموع بلدان اليمن وقبائلها ، وقد بُني السور بكتل من الطين والحصى والتي تُعرف محلياً ـ بالزابور ـ وللسور أبراج مدورة يبلغ عددها حوالي ( 128 برجاً ) ، يبعد كل برج عن الآخر مسافة قدرها ( 50 متراً ) .
10 - المعمار في صنعاء
تبدو مدينة صنعاء وكأنها كائن عضوي ينمو ويمتد في الاتجاهين الأفقي والرأسي بطراز معمارها القديم الذي يمتلك زخارف غنية توجد بأشكال ونسب مختلفة مثل كتل النوب والأسوار والمساجد والسماسر والحمامات والأسواق والمعاصر والمدارس التي تجعل منها مدينة حيَّة تلبي المتطلبات الأساسية للإنسان وتشكل مجتمعة أو منفردة تراثاً معمارياً خالداً يحكي قصة تاريخها التليد الذي لم ينحن أمام التيارات المعمارية الحديثة إلا أنه لا يعرف متى تم بناء هذا الطراز المعماري المتأثر بالطراز الحميري ، فأحد أبنيتها قائم في مكانه منذ ( سبعة قرون ) تقريباً .
11- مساجد صنعاء
من معالم مدينة صنعاء القديمة مساجدها وقد ذكر " الرازي " في كتابه عن صنعاء بأن عددها ( 106 ) ، ولم يبق منها مفتوحاً سوى أربعين مسجداً ، عامرة بالجماعات في الفروض الخمسة ، وقد أضيف لكل مسجد منها حنفيات للوضوء واختفت في بعض المساجد المطاهير مثل الجامع الكبير ، أما المساجد التي بنيت بعد قيام الثورة والجمهورية وإعادة توحيد اليمن فقد تجاوزت المأتيين ـ للجمعة والجماعة ـ وفيها أجنحـة للنساء ، وتحتوى على الحمامات الحديثة وليس فيها مطاهير للوضوء وفرشت بالسجاد الجميل .
فمنذ ظهور الإسلام واعتناق الناس الإسلام ومنهم اليمنيون بدأ اهتمام الناس ببناء المساجد المتواضعة البسيطة الملائمة للبيئة آنذاك ، وخلال فترة ازدهار الدولة الإسلامية تطورت المفاهيم واتسعت المدارك وارتفع الوعي برفع مكانة وشأن المسجد وأصبح المسلمون يتنافسون في بناء المساجد واهتموا بطرق بنائها وتخطيطها وزخرفتها باعتبارها بيوت الله كما أن المساجد قديماً كانت تستخدم في شتى الأغراض الدينية والدنيوية مثل إقامة حلقات التدريس والموعظة فيدرسون الفقه والتفسير والحديث وغيره من العلوم .
ومن المميزات العامة التي يتميز بها الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة والزخرفة التنويع في الزخرفة ، وشموليتها ، وتغطيتها للفراغات ، إن مثل هذه الميزات جعلت من الفن العربي الإسلامي شخصيته المميزة ، وكونت له طابعاً عاماً ووحدة فنية تستطيع التعرف عليه أينما وجد بيسر سواء أكان في مصر أو اليمن أو سوريا أو الجزائر … سواءً من القرن الثامن أو القرن السادس عشر الميلادي ..، ومرد ذلك بالطبع إلى وحدة العقيدة والحضارة والثقافة .
وتعتبر عمارة المساجد أحد فنون العمارة العربية الإسلامية في اليمن ولكي نتمكن من تسليط الضوء على الفن المعماري في تصاميم المساجد القديمة اخترنا نموذجيين من المساجد القديمة في صنعاء ، الجامع الكبير وقبة البكيرية لاختلاف حقبة نشأة كل منهما ، وقمنا بزيارتها ورجعنا إلى عدد من المراجع لإجراء تحقيقات عنها .
الجامع الكبير بصنعاء من أقدم المساجد الإسلامية وهو أول مسجد بني في اليمن ، ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد رسول الله ( ص ) حيث أجمعت المصادر التاريخية على أنه بني في السنة ( السادسة للهجرة ) حين بعث الرسول الله ( ص ) الصحابي الجليل " وبر بن يحنس الأنصاري " والياً على صنعاء ، وأمره ببناء المسجد فبناه ما بين الصخرة الململمة وقصر غمدان ، وكان أول بنائه بسيطاً وصغيراً جداً يتماشى مع عمارة المساجد الأولى فكان مربع الشكل طول ضلعه ( إثنا عشر متراً ) ، له باب واحد من الناحية الجنوبية ، وبه ( إثنا عشر عموداً ) أشهرها " المنقورة " وهو العمود السادس من ناحية الجوار الشرقي الحالي و " المسمورة " وهو العمود التاسع من الناحية الجوار الشرقي ـ أيضاً ـ ، ومقسم من الداخل إلى ثلاثة أروقة ، وكان يوجد بالرواق الشمالي المحراب الأصلي ، فقد تعرض الجامع خلال العصور الإسلامية المتتابعة إلى تجديد وتوسيعات عديدة ، وكان من أوائل هذه التوسيعات قام بها الخلفية الأموي " الوليد بن عبد الملك " (( 86 – 96 هجرية ) ـ ( 705 – 715 ميلادية )) في ولاية " أيوب بن يحيى الثقفي " ، شمل التوسيع في الاتجاه الشمالي ، من ناحية القبلة الأولى إلى موضع القبلة الحالية ، وفي فترة أول والي لبني العباس في صنعاء الأمير " عمر بن عبد المجيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " ، نقلت أحجار أبواب الجامع من " قصر غمدان " ومنها المدخل الذي يقع على يمين المحراب وبه صفائح من الفولاذ متقنة الصنع من ضمنها لوحان مكتوبان بخط المسند ، وفي عام ( 136 هجرية ـ 754 ميلادية ) اجري توسيع على يد الأمير " علي بن الربيع " بأمر من الخليفة " المهدي العباسي " وفقاً للوحة المكتوبة في صحن المسجـد ، وفي عام ( 265 هجرية ) أجري على يد الأمير " محمد بن يعفر الحميري " توسيع كان من ضمنها السقوف الخشبية المصنوعة من خشب الساج خاصة في عمارة الرواق الشرقي والذي يتكون من مصندقات خشبية غاية في الدقة والإبـداع ، إلا أن بعض المؤرخين اليمنيين ينسبون عمارة الرواق الشرقي في الجامع إلى الملكة " أروى بنت أحمد الصليحي " في عام (( 525 هجرية ) ـ ( 1130 – 1131 ميلادية )) ، ويعود تجديد المأذنتين الحاليتين إلى عام ( 603 هجرية ـ 1206 ميلادية ) حيث قام بتجديدها " ورد بن سامي " بعد أن تهدمت وسقطت ، وفي عام ( 1012 هجرية ) قام الوالي العثماني " سنان باشا " ببناء " الصرح " ـ المعروف اليوم بالشماسي ـ برصفه بالحجار كما بنى القبة الكائنة في الفناء ، وقام الحاج " محمد بن علي صبره " بإصلاح المنارة الشرقية في أوائل ( القرن الرابع عشر الهجري ) وفي عام ( 1355 هجرية ـ 1936 ميلادية ) بنى الأمام " يحيى بن محمد بن حميد الدين " المكتبة التي تقع غرب المنارة الشرقية ، وكذلك السقف الأوسط في الجناحين ، كما حفر البئر الغربية للجامع وأصلح سواقيها إلى المطاهير ، وقد وسعت المكتبة في عهد الإمام " أحمد بن يحيي بن حميد الدين " في عام ( 1374 هجرية ) .
12- قصر غمدان :-
من أشهر قصور اليمن في صنعاء ويقول عنه " الهمداني " إنه : ( أول قصور اليمن وأعجبها ذكراً وأبعدها حيناً قصر غمدان وهو في صنعاء ) وقد أختلف الرواة والإخباريون في باني غمدان ، " فابن هشام " ينسبه إلى " يعرب بن قحطان " مؤسسه وقال أكمله من بعده " وائل بن حمير بن سبأ بن يعرب " ، بينما " الهمداني " ينسبه إلى " سام بن نوح " ، إذ يقول : ( والذي أسس غمدان وأبتدأ بناءه وأحتفر بئره التي هي اليوم ساقية لمسجد صنعاء " سام بن نوح " عليه السلام ) ويسرد في ذلك قصة لبنائه ، فقال : ( ارتاد " سام بن نوح " البلاد فوجد اليمن أطيب مسكناً فوضع مقرانته ، فبعث الله طائراً فاختطف المقرانة وطار بها فتبعه " سام " لينظر أين وقع فأم بها إلى جبوب من سفح نقم وطرحها على حرة غمدان فعلم " سام " أنـه قد أمر بالبناء هنالك فأسس غمدان ) .
وقد وصفه " الهمداني " في كتابه الموسوعي " الإكليل الجزء الثامن " بقوله :
يسمو إلى كبد السماء مصُعّداً عشرين سقفاً سمكها لا يقصرُ
وأقدم ذكر لقصر غمدان في النقوش يرجع إلى عهد الملك السبئي " شعرم اوتر " ملك سبأ وذي ريدان في عام ( 220 للميلاد ) ، والنقش يذكر فيه قصريين هما قصر سلحين في مأرب وقصر غمدان في صنعاء ، وهناك نقش أخر يعود تاريخه إلى منتصف ( القرن الثالث الميلادي ) في عهد الملك " إل شرح يحضب " ملك سبأ وذي ريدان .
في حين تذكره دائرة المعارف البريطانية بأنه ورد في بعض النقوش التي وجـدت في بعض الأحجار المتكسرة والتي تعود إلى ( القرن الأول الميلادي ) .
وقد بالغ الرواة في وصفه وإبراز عظمته ، إذ قيل أنه كان مربعاً أركانه مبنية بالرخام الملون وفيه ( سبعة سقوف ) طباقاً ما بين السقف والآخر خمسون ذراعاً ، ويروى " الهمداني " على رغم بعض الروايات أنه ( عشرون سقفاً ) ، ويقول " وكان غمدان ( عشرين سقفاً ) غرفاً بعضها على بعض واختلف الناس في الطول والعرض فقائل يقول كل وجه غلوة بالغة ، وقائل يقول كان أكثر ، وكان فيما بين كل سقفين ( عشرة أذرع ) .
والمقصود أن يؤلف كل ما بين سقفين طابق واحد ويلف السقفين حزام مزخرف ، ويكون ارتفاع الطابق من ( عشرة أذرع ) ، ويكون القصر في الواقع ( عشرين سقفاً ) ، إذا اعتبر أن الذراع يقدر ما بين ( 40 - 50 سم ) فيكون ارتفاع كل طابق ( 4 مترات ) والحد الأدنى لارتفاع القصر كله ( 35 ـ 40 متراً ) .
ويقال إنه كان له أربعة أوجه ، وجـه مبنٍ بحجارة بيضاء ، ووجه بحجارة سوداء ، ووجه بحجارة خضراء ، ووجه بحجارة حمراء ، وكان في أعلاه غرفة لها لهج ، وهي الكوى كل كوة منها بباب رخام في مقيل من الساج والأبنوس وسقف للغرفة رخامة واحدة صفيحة ، وكانت غرفة الرأس العليا مجلس للملك عليها حجر من الرخام ، وكان في زواياه الأربع أربع أسود من نحاس أصفر خارجة صدورها فإذا هبت الريح من أجوافها زأرت كما يزأر الأسد ، وكانت الغرفة تحت بيضه رخام من ثمان قطع مؤلفة يثقبون فيها السرج فترى من رأس عجيب ولن ترى فيها حمرة النار مع الرخام المسطوحة ، وبناء قصر من الحجر بارتفاع ( 40 متراً ) هندسياً ليس بالأمر السهل فالطوابق السفلى كانت مبنية من " الجروب " وهي أحجار كبيرة سوداء صلدة مهندمة ـ موقصة ـ ويبرز كل صف علوي عما يعلوه بمقدار ( سنتمتر ونيف ) ليعطي قوة تحمل كبيرة والأعلى كان من الرخام المصقول ، وكانت حجارته متلاحمة بالقطر " مترابطة بالمعدن المذاب " وكان معصباً ومنطقاً ومؤزاً ، وهذه إشارات إلى تشقير أعلاه وتزيين ما بين طوابقه بالأحجار شبه الكريمة كالجزع ، وقد شيد برأس القصر منظر " غرفة عليا " أطبق سقفها برخامة واحدة شفافة ، فيعرف الجالس في الغرفـة بها العزاب مـن الحدأة من تحت الرخامة ، وكان يتصدر مدخل القصر
ساعة مائية وتزين فناءه حديقة وقنوات جارية ونخلة تسمى الرامقة .
ولقد تهدم قصر غمدان بحكم تقادم العهد ، وزاد من انهياره معاقل الحضارة اليمنية القديمة ، وهدمه قد مر بمراحل منها ما أصابه من حريق أيام الغزو الحبشي لليمن في حوالي ( 525 للميلاد ) ، وجزء هدم في حياة الرسول ( ص ) ، وبأمر مباشر منه " لفروة بن مسيك المرادي " ولم يكمله ، ثم هدم جزءاً آخر عند وفاة الرسول أو عقب وفاته مباشرة ثم تهاوى ما تبقى منه في أيام الخليفة الراشد " عثمان بن عفان " .
13- غرقة القليس :
تمكن الأحباش من هزيمة آخر ملوك الدولة الحميرية " يوسف اسأر يثأر " حوالي ( 523 - 525 ميلادية ) ، وبعد سيطرتهم على صنعاء اتخذوها عاصمة لليمن ، وباشر " إبرهة بن الصباح الحبشي " بناء الكنسية القليس التي أراد أن يصرف العرب إلى عبادتها بدلاً من الكعبة في مكة المكرمة ، وقد استخدم أسطورة تقول أن المسيح سيعود إلى صنعاء وسيصلي في مكان ما فيها لتبرير بناء الكنيسة على نفس مستوى الكنائس المشهورة التي يُحج إليها مثل كنيسة قبر المسيح في القدس التي بنيت خلال الفترة ( 328 – 336 ميلادية ) ، كنيسة الميلاد التي بنيت في بيت لحم سنة ( 333 ميلادية ) ، ويعتبر بناء كنيسة القليس من المعالم البارزة في تاريخ العمارة اليمنية في صنعاء ، ووفقاً لدراسة أسلوب بناء أعمدة وتيجان أعمدة كنيسة القليس هناك احتمال قوي بأن أسلوب البناء جاء من أسلوب بناء كنيسة مدينة ظفار التي شيدت ضمن عدد من الكنائس في اليمن خلال ( القرن الرابع الميلادي ) في نجران وبخاصة في ظفار في سنة ( 354 ميلادية ) .
وتقع كنيسة القليس داخل المدينة القديمة في غربي قصر السلاح بحارة غرقة القليس حيث يوجد فيها صرحة واسعة حفر في وسطها غرقة القليس ، والقليس معناها الكنيسة ، وهي المقابل العربي للفظة اللاتينية " ايكليسيا " ، وربما كانت قلبا لكلمة ( السامية القديمة ) كنيس ومنها كنيست أي المجمع ، والبعض يعيد القليس لارتفاع بنيانها وعلوها ومنه القلائس لأنها في أعلى الرؤوس .
وقد وصف " رونالد ليوكوك " بنيان كنيسة القليس بأنها محاطة بفضاء فسيح للتنزه ، وأنشئ مدخل الكنيسة على الجانب الغربي ويتم الوصول إليه بارتقاء سلم شديد الانحدار من المرمر ، وشيد المبنى بكامله على مرتفع يزيد ارتفاعه عن خمسة أمتار وطليت أبوابها بالذهب والفضة ، وكان يوجد من الداخل جناح ثلاثي ، طوله ( خمسون متراً ) وعرضه ( خمسة وعشرون متراً ) تقريباً ، ويرتكز عقده على أعمدة من الخشب الثمين والمزين بالرسوم وبمسامير من الذهب والفضة ، ثم الجناح المصالب ذي الأقواس بعرض ( 12 متراً ) ، يقطع الجناح أروقة مزينة بالفسيفساء التي تمثل أشجاراً وغابات مزينة بنجوم من الذهب ، وأخيراً فإن هذه الكنيسة كانت على شكل قبة بقطر حوالي ( عشرين متراً ) وجـدرانها المغطاة بالفسيفساء تمثل صليباً من الذهب والفضة ، وفي مركز القبة لوحة من الرخام البراق تسمح بمرور النور ، وكان البلاط المستخدم من المرمر الملـون ، ويبدو أن الجناح المصالب قد كان منفصلاً عن الجناح بسلسلة من العقود المرتكزة على دعائم من المرمر ، يكونها حاجز ضخم من الأبنوس ومن الأخشاب الثمينة الأخرى المرصعة بالعـاج ، منقوشة بصورة رائعة ، وأمام الهياكل ـ المذابح المقدسة ـ كانت الأبواب المموهة بالذهب والمرصعة بالأحجار الكريمة ، وفي وسط كل لوحة كان يوجد صليب من الذهب ومن حول هـذه الجواهر حفرت زهور مختلفة تولد حالة من الاندهاش لدى الزائر .
وتيجان الأعمدة وجذوعها مزينة على كل وجه بأزواج من أوراق الأقنشيات المتعارضة والمنمنمة مائلة الأقواس نصف الدائرية ، ومحيطة في الغالب بصليب ، وكانت جذوع الأعمدة إسطوانية الشكل مغطاة بتشبيك زهري من رسوم الكروم الملتوية وقد هدمت في بداية ( النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي ) في عام ( 753 ميلادية ) .
كما وصفها السيد " صارم الدين بن إبراهيم الوزير " المتوفى سنة ( 924 ميلادية ) ، فقال ما خلاصته : " القليس كنيسة " إبرهة الحبشي " سميت بذلك لارتفاع بنائها ، وكان إبرهة قد حاول إذلال أهل اليمن وإخضاعهم فلما عزم على عمارة هذه الكنيسة أمرهم بنقل ما في قصر بلقيس من أحجار منقوشة بالذهب والفضة ورخام فجزع ، ثم جد في بنيان الكنيسة ، وجعلها مربعة وبناها بتلك الحجارة منقوشة لا تدخل الإبرة في أطيانها وجعلها ملونة : وأحجارها من الأخضر والأحمر والأبيض والأزرق والأسود وجعل دائرها مفصلاً على هذه الصنعة ثم فصل فوق الرخام بحجارة سوداء لها برق جلبها من جبل نقم المشرف على صنعاء ، وكان عرض الحائط ( ستة أذرع ) ، والمدخل منه إلى جوف الكنيسة طوله ( ثمانون ذراعاً ) وعرضه ( أربعون ذراعاً ) ، عوده من العاج المنقوش وفيه مسامير الذهب والفضة ، ثم يدخل من ذلك البيت إلى ديوان طوله ( أربعون ذراعاً ) عن يمينه وعن يساره عقود عاجية تتلألأ ككواكب الذهب والفضة ثم ذهب جدرانها وسقوفها ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج وغيرها فصارت تلتهب التهاباً ، وجعل فيها قناديلاً من الذهب والفضة والبلور تطلى بأطيب الأذهان وجعل أبوابها من العاج المصفح بالذهب والفضة ، فلما هلك إبرهة ومزقت الحبشة كل ممزق أقفر ما حول هذه الكنيسة وكثرت حولها الحيات فلا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئاً ، وكان الاعتقاد أن من هم بشيء من ذلك لأخذ شئ أصابه عمى ، ولم تزل هذه الكنيسة كذلك في زمن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأيام بني أمية إلى زمن " أبي العباس " السفاح فذكر له أمرها فبعث " العباس " " بن الربيع " عاملاً له على اليمن فوصل معه أهل الحزم والجلادة ولم يلبث أن أمر بخرابها فخاف الناس .. ثم أن قوماً تقدموا فخربوها على وجل ورعب شديد فاجتمع منها مال عظيم حمل إلى السفاح ، وقد نزلت بالذين خربوها ضروب من الآلام من جنون وجذام فازداد الفاعلون تطيراً بذلك ثم عفا رسمها وانقطع خبرها .
أمَّا " ياقوت الحموي " فقال في وصفها : ( بأنها الكنيسة التي بناها " إبرهة بن الصباح الحبشي "، وقد كتب على بابها بخط المسند " بنيت هذا لك من مالك ليذكر فيه اسمك وأنا عبدك " وقد استذل أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعاً من السخر ، وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر " بلقيس " صاحبة " سليمان عليه السـلام " ، وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ ، وكان فيها بقايا من آثار ملكهم فاستعان بذلك على ما أراده من بناء هذه الكنيسة وبهجتها وبهائها ، ونصب فيها صلباناً من الذهب والفضة ومنابر من العاج الآبنوس " وكان أراد أن يرفع في بنيانها حتى يشرف منها على عدن "
وكان حكمه في الصانع إذا طلعت الشمس قبل أن يأخذ في عمله أن تقطع يده ، فنام رجل منهم ذات يوم حتى طلعت الشمس فجاءت أمه وهي امرأة عجوز فتضرعت إليه تتشفع لابنها فأبى إلا أن تقطع يده فقالت : اضرب بمعولك اليوم فاليوم لك وغداً لغيرك قال لها ويحك ما قلت ؟ قالت نعم ، كما صار هذا الملك إليك من غيرك سيصير منك إلى غيرك فأخذته موعظتها ، وعفا عن ولدها وعن الناس من العمل فيما بعد ، فلما هلك ومزقت الحبشة كل ممزق وأقفر ما حول هذه الكنيسة ، ولم يعمرها أحد كثرت حولها السباع والحيات ، وكان كل من أراد أن يأخذ منها أصابته الجن فبقيت من ذلك العهد بما فيها من العدد والآلات من الذهب والفضة ذات القيمة الوافرة والقناطير مـن المال لا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً إلى زمان أبي العباس السفاح فذكر له أمرها فبعث إليها خاله " الربيع بن زياد الحارثي " عامله على اليمن وأصحبه رجالاً من أهل الحزم والجلد حتى استخرج ما كان فيها من الآلات والأموال وخربها حتى عفا رسمها وانقطع خبرها .
ولما استتم " إبرهة " بنيان القليس كتب إلى " النجاشي " أنا قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنة حتى أصرف إليها حج العرب ، فلما تحدث الناس بكتاب " إبرهة " الذي أرسله إلى " النجاشي " غضب رجل من بني " فقيم من عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر " ، فخرج حتى أتى القليس وقعد فيها يعني أحدث وأطلى صيطانها ثم خرج حتى لحق بأرضه ، فأخبر " إبرهة " فقال : من صنع هذا ؟ فقيل له : هذا فعل رجل من أهل البيت الذي يحج إليه العرب بمكة لما سمع قولك اصرف إليها حج العرب غضب فجأة فقعد فيها أي إنها ليست لذلك بأهل ، فغضب " إبرهة " وحلف ليسيرن حتى يهدمه وأمر الحبشة بالتجهيز فتهيأت وخرج ومعه الفيل فكانت قصة الفيل المذكورة في القرآن العظيم .
14- سوق صنعاء :-
يقع السوق في مكان متوسط من قلب مدينة صنعاء القديمة شرق السايلة بين باب اليمن وباب شعوب ، ويتآلف من عدة أسواق خصص كل منها لحرفة أو بضاعة مهمة وهذه الأسواق جميعها يضمها اسم واحد وهو " سوق الملح " .
ويعتبر سوق صنعاء من أبرز الملامح التقليدية لمدينة صنعاء القديمة فهو من أسواق العرب المشهورة قبل الإسلام ، ومما ساهم في تنشيط حركة السوق ورواج تجارته موقع مدينة صنعاء على طريق القوافل التي كانت تحضر أسواق العرب الموسمية قبل الإسلام ، إضافة إلى كونه يقع على طريق الحجيج بعد الإسلام ، فازدادت أهميته لذلك نجد له وصفاً عند الإخباريين ( القرن الخامس الهجري ـ الحادي عشر الميلادي ) في كتاب تاريخ صنعاء للرازي حيث ذكر وجود ( 23 سوقاً ) وكان موعد السوق بعد الانتهاء من سوق عدن ، فكان العرب يأتونه بعد فراغهم من سوق عدن ، ويستمر من نصف رمضان حتى أواخره ، ويأتيه التجار بالقطن والزعفران والأصباغ وغيرها ، مما لا يوجد في السوق ، ويشترون منه ما يريدون من البز والحرير وغيرها مما هو موجود في السوق ، ولم تكن الحركة التجارية متروكة لهوى أصحابها بل كان هناك قانون خاص يحدد الصورة التي يمكن التعامل بها في أسواق صنعاء وأقدم قانون عُثر عليه يعود إلى سنة ( 1161 هجرية ) صدر في عهد الإمام " القاسم عبد الله بن المتوكل أحمد " وقد شمل جميع أنواع التجارة والحرف الرفيعة والوضيعة من بيع وشراء ونقل وحمالة وأجورها إلى جانب تحديد معدلات الربح والمكاييل والمقاييس والعقاب والثواب .
وفي عام ( 1763 ميلادية ) زار سوق صنعاء " نيبور " ووصف أزقته المتخصصة في بيع مختلف البضائع والمواد واستطاع أن يحصي أكثر من عشرين نوعاً من العنب .
وقال ( والترد وستال ) في كتابه ( سوق صنعاء ) الذي صدر عام ( 1979 ميلادية ) ، بأن خطة السوق الحالية هي نتيجة تغيرات بنائية ومكانية عبر التاريخ وتعكس تلبيته للحاجات المستحدثة
15- السماسـر
السمسرة كمنشأة معمارية تؤدي وظيفة اجتماعية واقتصادية ارتبط ظهورها بنشوء وتطور الإنتاج الحرفي خلال مرحلة انفصال الزراعة عن الرعي ونمو المراكز التجارية من أجل التبادل السلعي ، لقد هيئ التطور النسبي الرفيع للتقسيم الاجتماعي الشروط الضرورية لنشوء مراكز تجارية كبيرة على امتداد الساحة ، ولذلك تعتبر السماسر من مكونات مدينة صنعاء كحاضرة ومركز تجاري .
بانتقال مركز الحضارة اليمنية من مأرب إلى ظفار ( ذو ريدان ) في محافظة إب تحول مسار الطريق التجاري القديم عبر الهضبة اليمنية وعرف ( بدرب أسعد الكامل ) ، وكانت صنعاء أهم محطاته الرئيسية ؛ مما زاد من أهمية السماسر لتلبية الاحتياجات الجديدة ، وتوسع بناء السماسر فيها حيث كانت تقدم خدمات الإيواء للمسافرين وحفظ المتاع والبضائع والراحة والتزويد بالمؤن لمواصلة السفر والترحال ، وكانت تلك السماسر بمثابة الشكل الجنيني لما يسمى ( بالخدمات الفندقية اليوم ) ، ومن السماسر التي كانت قائمة في سوق صنعاء قديماً هي :-
1- سمسرة محمد بن حسن التي كانت بمثابة بنك للتجار تحفظ فيها البضائع الثمينة والنقود من الذهب والفضة
2- سمسرة سوق العنب
3- سمسرة سوق النحاس
4- سمسرة الجمرك وفيها كان يتم وزن بضائع التجار لتحديد الرسوم الضريبية عليها
5- سمسرة دلال وغيرها من السماسر العديدة التي كانت منتشرة بكل تقسيمات السوق بحسب نوع البضاعة .
ويدل العدد الكبير لهذه المنشآت على حجم التبادل التجاري الكبير وسعة النشاط التجاري الضخم لسوق صنعاء الذي كان مقصداً للتجار من جميع مراكز التبادل السلعي في داخل اليمن وخارجها مثل تجار الشام والحيرة وفارس والهند ، وكانت لهذه السماسر ضوابط قانونية صارمة في تأدية مهامها .
16- الحمامات العامة :
التسمية : سُمي حماماً ـ مفرد الحمامات ـ لما فيه من كم الماء الحار ، ولأن من يدخله يعرق أخذ له هذا الاسم من الحميم ، وهو الماء الشديد الحرارة ، ومنه الحَمه ( بفتح الحاء والميم المشددة ) وهي عين فيها ماء حار ينبع ، يشفى بها العليل ، وأخذ له هذا الاسم أيضاً من العرق ، والعرق يسمى حميماً على التشبيه ، يقال استحم الرجل إذا اغتسل بالماء الحميم ، ثم كثر حتى استعمل الاستحمام في كل ماء ، وأصبح الحمام مكاناً للاستحمام .
منذ أن بدأت تبرز ملامح صنعاء كمدينة حضرية في مراحلها الأولى وتوسعت نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية رافق ذلك توسع عمرانها ووضوح مكونات منشآتها الخدمية العامة منها على سبيل المثال تشييد مرافق الحمامات العامة كمنشآت حضارية تساهم في تلبية متطلبات النظافة بصورة أرقى لما قبلها حيث اعتمد سكان صنعاء قديماً أقبل وجود الغسيل والصابون ، على مياه الغيل الأسود الذي كان مساره بجانب مسجد المتوكل إلى ضواحي شعوب ثم الروضة ، وكان الناس ينتشرون على ضفتي الغيل للاستفادة من المياه الجارية في الغسيل بحسب ضوابط عرفية معينة ، واستمر هذا الغيل حتى بعد قيام الثورة اليمنية ( 1962 م ) ثم أدركه الجفاف بينما كانت تجري أربعة غيول أخرى وجفت في مراحل تاريخية سابقة .
وقال الرازي إن حمامات صنعاء كان عددها ( أثنى عشر حماماً ) بما فيها حمامات حي بير العزب وحي القاع ( قاع اليهود قديماً ـ قاع العلفي حالياً ـ ) ، بينما تقسيمات عدد الحمامات العامة في أحياء صنعاء تدل أن عددها أربعة عشر حماماً وذلك كما يلي :-
أ - حمامات حي صنعاء القديمة هي :
1- حمام السلطان 2- حمام شكر 3- حمام القزالي
4- حمام سبأ 5- حما الأبهر 6- حمام الطوشي
7- حمام ياسر 8- حمام الميدان 9- حمام القوعه
وجميعها تنتشر في حارات صنعاء القديمة وتزود بالمياه من الآبار حيث كان يتبع كل حارة بير للمياه أو أكثر ، ويسود الاعتقاد أن حمام سبأ قديم ، وكذلك حمام ياسر الذي ربما ينسب إلى الملك الحميري " ياسر يهنعم " .
أما بقية الحمامات فيعود تاريخها إلى المراحل المختلفة من عصر الإسلام .
ب - حمامات حي بير العزب هي :-
1- حمام البونية 2- حمام علي
ويعتقد أن تاريخها يعود إلى ( القرن السادس عشر الميلادي ) وهو تاريخ بناء الحي من قبل العثمانيين خلال الفترة الأولى لحكمهم اليمن .
ج- حمامات حي قاع العلفي هي :-
1- حمام السلطان 2- حمام المتوكل 3- حمام الفيش
ويعود تاريخها إلى مطلع ( القرن الثامن عشر الميلادي ) عندما أنشأ الإمام المتوكل " القاسم " عدداً من المنشآت الخدمية في حي القاع منها تلك الحمامات .
- من حيث التخطيط المعماري لبناء الحمامات متشابهة في أنماط تصميمها بشكل عام على هيئة مستويات عديدة تتضمن حجرة المياه الساخنة بالإضافة إلى صالة خلع الملابس وهي بذلك متأثرة بطراز بناء الحمامات الرومانية الذي انتشر كثيراً في طراز بناء الحمامات الإسلامية المبكرة مثل حمام قصر عمر في بادية الشام ، والعديد من حمامات صنعاء تغطيها القباب في المساحة التي تلي المدخل الرئيسي مباشرة وبأسفلها توجـد سقيفة مستديرة الشكل ، وباطن تلك القباب زينت بزخارف جصية كتابية بالإضافة إلى زخارف نباتية وهندسية جميلة .
مصادر وقود الحمامات العامة كانت قديماً كلاسيكية أمَّا حالياً تم استبدالها بمادة الديزل .
كيفية عمل الحمامات العامة تبدأ من الساعة ( 8 صباحاً ) وتستمر باستقبال المريدين حتى آخر النهار قبل الغروب وتدار بواسطة حمامين يجيدون مهنتهم ، وخلال أيام الأسبوع تقسم أيام محدودة خاصة بالنساء وفيها يتم إدارة الحمامات من قبل نساء وكذلك أيام محددة خاصة بالرجال وفيها تتم الإدارة من قبل الرجال .
وأثناء ممارسة الاغتسال يوجد مساعدون في عملية التدليك لمن يطلب ذلك بحيث تضاف قيمة أجور التدليك إلى قيمة أجر الاغتسال رجالاً للرجال ونساءاً للنساء .
ومع تطور الحياة الاجتماعية والتقنيات التكنولوجية في الوقت الحاضر انتشرت الحمامات الحديثة المزودة بالتجهيزات الصحية في إطار المنازل الخاصة لبعض الشرائح الاجتماعية وقل الطلب نسبياً على الحمامات العامة القديمة ـ وفي نطاق أحياء صنعاء التاريخية ـ ولكن مع توسع مدينة صنعاء حالياً وظهور أحياء حديثة كبيرة توسعت حتى سفوح الجبال أنشئت حمامات عامه حديثة تعمل بأساليب متطورة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق