ثم يعلق على هذه التعاليم
قائلاً :
"
عظمة وعلاء ولكنه قضاء قاس على الإنسانية ، وإن التطبيق الكامل لمثل تلك المبادئ
ليمكن أن يملأ الأرض بأديرة فيها الرجال من جهة والنساء من جهة أخرى ينتظرون في
طهارة وتأمل الزوال النهائى للنوع الإنساني " (19)
3- العبادة المتواصلة :
يفرض نظام الحياة الرهبانية على الراهب أن يكون في حالة عبادة مستمرة يميلها عليه
الأب ، ولا يستطيع التردد في الطاعة ، بل عليه أن يجهد نفسه ويرهفها ويكلفها ما لا
تطيقه من الصلوات والصيام والتراتيل والترانيم وسائر الطقوس ، وإذا سئم من ذلك أو
قصر في شئ منه فإن للنظام عقوباته الرادعة ……
ولنأخذ نموذجا نموذج لذلك تعاليم القديس " كولمبان
" الذي أسس الأديرة في جبال الفوج بفرنسا ، ومن تعاليمه : " يجب أن تصوم كل يوم وتصلى كل يوم وتعمل كل يوم وتقرأ كل يوم
، وعلى الراهب أن يعيش تحت حكم أب واحد " .
"
ويجب أن يأوي إلى الفراش وهو متعب يكاد يغلبه النوم وهو سائر في الطريق " ..
.. " وكانت العقوبات صارمة أكثر ما
تكون بالجلد : ستة سياط إذا سعل وهو يبدأ ترنيمة أو نسى أن يدرم أظافره قبل تلاوة
القداس ، أو تبسم أثناء الصلاة ، أو قرع القدح بأسنانه أثناء العشاء الربانى
" .
"
وكانت اثنا عشر سوطاً عقاب الراهب إذا نسى أن يدعو الله قبل الطعام وخمسون عقاب
المتأخر عن الصلاة ، ومائة لمن يشترك في نزاع ومئتان لمن يتحدث من غير احتشام مع
امرأة .
وأقام
" كولمبان " نظام الحمد الذى لا ينقطع ، فكانت الأوراد يتلوها بلا انقطاع
ليلاً ونهاراً طائفة بعد طائفة من الرهبان " يوجهونها إلى عيسى ومريم
والقديسين " (20)
4- التعذيب الجنوني :
لم يقتصر الأمر على ما ذكره بل – كما هي طبيعة
البدع – تجاوز ذلك إلى تصرفت جنونية تشمئز لها الفطر السليمة ، ابتدعها
بعض الرهبان ليعبروا عن قوة إيمانهم وعمق إخلاصهم لمبدئهم ، (وروى المؤرخون من ذلك
عجائب فحدثوا عن الراهب ماكاريوس أنه نام ستة أشهر في مستنقع ليقرض جسمه العاري
ذباب سام ، وكان يحمل دائما نحو قنطار من حديد وكان صاحبه الراهب يوسيبيس يحمل نحو قنطارين من حديد .. ، وقد أقام
ثلاثة أعوام في بئر نزح … وقد عبد الراهب يوحنا ثلاث سنين قائما على رجل واحدة ولم ينم ولم
يقعد طوال هذه المدة ، فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى صخرة . وكان بعض الرهبان لا
يكتسون دائما ، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام ،
وكان أكثرهم يسكنون في مغارات السباع والآبار النازحة والمقابر ويأكل كثير منهم
الكلأ والحشيش ، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح ويتأثمون من غسل
الأعضاء ، وأزهد الناس عندهم وأنقاهم أبعدهم عن الطهارة وأوغلهم في النجاسات
والدنس ، يقول الراهب اتهينس أن الراهب أنتونى لم يقترف إثم غسل الرجلين طوال عمره ، وكان
الراهب أبرا هام لم يمس وجهه ولا رجله الماء
خمسين عاماً ، وقد قال الراهب الإسكندري بعد
زمان متلهفاً : و أسفاه ، لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه حراماً ، فإذا بنا الآن
ندخل الحمامات " (21)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق