سوق صنعاء القديمة.. لوحة شرقية أصيلة
03-06-2013 04:36
يعد سوق صنعاء القديمة أحد المقاصد السياحية في مدينة صنعاء القديمة، كونه من الأسواق العتيقة التي حفظت ذاكرة التراث العربي نمطاً ونموذجاً، كما أنه يعد أقدم الأسواق اليمنية بعد سوق عدن، بالإضافة إلى كونه واحداً من الأسواق في المدن العربية القديمة، الذي احتفظ بمعالمه وتقسيماته رغم صلف الزمن ومتغيراته.والسائح حينما يزور مدينة صنعاء القديمة، لا بد أن يعرج على هذا السوق، كونه أحد الأركان الهامة في بناء المدينة، ومركز التواصل بين أطرافها.
حيث يتميز سوق صنعاء القديم دون غيره من الأسواق العربية القديمة باحتفاظه بكثير من المعالم التاريخية وتقسيماته الفريدة وتكوينه الحضاري المتمثل بفصل السوق وما تصاحبه من ضوضاء المتسوقين والباعة الذين يروجون لبضائعهم منذ الصباح حتى المساء، عن الأحياء السكنية التي تتطلب الهدوء والسكينة.
أقسام السوق:
ينتمي سوق صنعاء القديم من حيث الأسلوب والشكل إلى نمط الأسواق المكشوفة، فالورش وشوارع السوق تشكل مركزاً متصلاً بأسواق حديثة، ويتكون من ثلاثة أقسام، مركز السوق، وهو ما يسمى حالياُ بسوق الملح، وتباع فيه أصناف كثيرة من البضائع، ويعد نواة السوق الأول في صنعاء القديمة.
وترجع هذه التسمية إلى ما اشتهر به السوق من بيع التوابل والبهارات، وكانت تلفظ اسم السوق قديما حسب ما ورد في الإكليل للمؤرخ محمد بن الحسن الهمداني " الملح " (بضم الميم وفتح اللام) أي سوق كل مليح، إلا أن التسمية حصفت لاحقاً وأصبح السوق يعرف حاليا باسم سوق الملح (بكسر الميم واللام).
ويوجد بمدينة صنعاء القديمة 49 سوقاً متخصصاً يضم أكثر من ألف و700 محل تجاري (دكان)، وذكر دليل سياحي عن صنعاء القديمة يعرف باسم " متحف على الهواء الطلق " إن السوق في صنعاء القديمة ينقسم إلى مناطق للإنتاج وأخرى للتجارة، وإن لم يلاحظ بينهما فاصلا إلا أن الصناعات الحرفية معزولة عن المناطق التجارية، وهي أسواق العمال والحرفيين.
مناطق الإنتاج والتجارة:
وتنقسم مناطق الإنتاج والتجارة في صنعاء القديمة إلى منطقتين هما منطقة الإنتاج الغربية، وتحوي أسواق النحاس، الحدادين، الموارد، الجنابي "الخناجر اليمنية"، العسوب "جراب الخناجر اليمنية"، البقالة، المحازم، النجارين، المخراطة، القصب، الجلا، السلب " الحبال "، وسوق الكوافي " الطواقي".
فيما تضم منطقة الإنتاج الشرقية، سوق الحلي والفضة، سوق المصبغة، وهناك أسواق أخرى امتدت إلى مناطق أخرى مثل سوق الذهب، وأسواق المشغولات والمنمنمات الحرفية الدقيقة المتنوعة.
أما المنطقة الثالثة من مناطق السوق فتعرف بالمنطقة التجارية، التي تتناثر في أسواق مختلفة، تصنف حسب أنواع السلع، ومنها سوق المأكولات والكيوف، مثل: سوق الحلبة، سوق الزبيب، سوق السمن، سوق القشر، سوق العنب، سوق عقيل، سوق القات، وسوق السلع المتنوعة مثل /سوق النضارة، سوق الحناء، سوق الجديد، سوق الحميدي، سوق الطحين.
ومن الأسواق التي تدخل في إطار المنطقة الثالثة أسواق الأقمشة والملابس مثل سوق البز، سوق الأبيض، سوق الصرافين، سوق المصاون"البراقع والأقنعة"، سوق الجلا، سوق الفتلة "وبه جميع مستلزمات الخياطة، إضافة إلى سوق العطارة، والتي كانت سابقا بمثابة صيدليات من خلال ما تعرضه من أعشاب طبية، ويسمى في صنعاء سوق المعطارة، وسوق الحلقة وسوق المعدن "أدوات المطبخ"، وسوق الجص /الجبس/، وسوق دار الجامع "محال استيراد أدوات التقنية"، سوق المبساطة، وسوق عقيل، وسوق البهائم، وأخيراً سوق الباروت والمفرقعات "الذي لم يبق منه سوى الاسم.
الخانات السلطانية (السماسر):
اشتهرت صنعاء القديمة بوجود عدد من السماسر التي كانت تسمى سابقاً الخانات السلطانية التي كانت تقوم بوظائف مختلفة تصب في مجملها في خدمة التجارة والسوق. حيث بلغ عدد هذه السماسر في صنعاء القديمة 30 سمسرة، أهمها سمسرة المنصورة، المركز الوطني للفنون حالياً، وسمسرة النحاس المركز الوطني للحرف التقيليدية اليمنية، وسمسرة المعدن، وسمسرة الذماري، وغيرها.
وتوزعت المهام التي تقوم بها السماسر على أربع وظائف رئيسة حسب الخدمة التي تؤديها كمخازن للبضائع الموجودة في سوق صنعاء والوافدة من خارج صنعاء القديمة، مثل سمسرة العقود التي يقع في محيطها اليوم سوق المنجارة وسوق المنقالة.
وقامت هذه السماسر بدور المصارف لتبادل العملات الفضية والذهبية والنقود (سابقاً) مثل سمسرة محمد بن الحسن وهو ما يشبه عمل البنوك حالياً، وكانت بعضها مأوى للمسافرين والتجار، واستقبال الزوار، وهو ما يشبه الآن وظيفة الفندق مثل سمسرة سمينه، والتي لا تزال تقوم بهذه المهمة حتى اليوم، إضافة إلى عملها الحالي مقهى للمشروبات اليمنية الشهيرة كالقهوة والبن.
فيما تخصصت بعض السماسر بتجارة أصناف معينة من السلع مثل سمسرة الشامي التي كانت مخصصة لبيع البن اليمني ذو الشهرة العالمية، وكذا سمسرة الزبيب المعروفة بجمرك الزبيب، التي لا تزال حتى اليوم تبيع أنواع الزبيب اليمني المعروف بجودته.
يذكر أن سوق مدينة صنعاء القديمة من أسواق العرب القديمة، وكان يقام في النصف من رمضان، ونظراً لازدهار التجارة والتبادل التجاري النشط المتنوع فيها تنوعت أسواق صنعاء لكونها مركزاً لما حولها من القرى والمدن اليمنية وتنوعت بحسب السلع والبضائع والصناعات الموجودة، وكانت في الماضي حوالي (45) سوقاً إلا أنه لم يعد منها إلا حوالي (20) سوقاً.
يشار إلى أنه قد ورد ذكر أسواق صنعاء في كتابات الرحالة الأوروبيين الأوائل من أمثال جون جوردين وكارستن نيبور، والذين وصفا السوق خلال زيارتهما في القرن الثامن عشر بأنها أسواق متميزة ومتعددة الأغراض ارتبط ازدهارها بازدهار الحرف التقليدية وعددها 49 سوقا متخصصاً، و29 سمسرة تستغل كمخازن للبضائع ومصارف لتبادل النقود، فضلا عن كونها (أي السماسر) نزلا تقدم خدماتها للمسافرين ودوابهم، وبها أماكن لحفظ أمتعتهم ومقتنياتهم. كما ذكرها المؤرخون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق