قرقوش شمعة: يهود اليمن.. التنوع الذي فقدناه
الثلثاء 19 آذار (مارس) 2013
الى أمي اليهودية: نعمة بنت يحيى، شمعة لا تنطفئ، وقلب واسع يدعو بالخير، لم أعد اسمعه إلا من أم تحنو على أولادها مسلم ويهودي..
**
تعايش المختلف
عرفت اليمن بتنوعها الجغرافي والثقافي، وتاريخها الممتد الغني بالأحداث، فلا تتحدد ولا تكون إلا به. وكما لا يمكن أن تختزل في مطلق، وواحد. فهي اليمن حاضنة التنوع الجغرافي والتعدد في الديانات والثقافات والأطياف المختلفة. ويحدثنا التاريخ، أن اليمن مرت بديانات متعددة من الوثنية والسماوية، وعبد سكانها القمر، والشمس، والثور..الخ، ثم اعتنقوا الديانة اليهودية، فالمسيحية، والإسلامية بمذاهبها المختلفة، وضمن حضور وتعايش المختلف شيدت الحضارات المختلفة في اليمن القديم.
لا يعد اليهود أحد المكونات الأساسية للمجتمع اليمني فحسب، بل هم سكان اليمن الأصليون،فـ«الحقائق التاريخية والواقع الاجتماعي الواضح يؤكد أن اليهود هم جزء من الشعب العربي في اليمن، وانهم اعتنقوا اليهودية في بلادهم اليمن» (عباس الشامي –يهود اليمن ).
وعندما بدأ اليمن ينزع نحو الواحد الثابت والمتطابق،ضاع الإنسان قبل أن تضيع الحضارة. خارت مفاصله من أول معترك، ثم اقتلعت وانهارت حضاراته، واحدة تلو الأخرى، وأصبحت العصبويات والقبائلية هي التي تحركه، وتدفعه نحو اعتلاء حافة الهاوية –كما واقعنا الآن.
لماذا قرقوش شمعة؟
ليس حجاباً كاتماً مانعاً ومسدوداً بوجه نفاذ ضوء الشمس والضوء، ذلكم القرقوش، القطعة القماشية أكانت سادة أو ملونة، أو مصنوعة من قماش القطيفة، أو القطن أو الحرير والستان أو “الستيم”، و «المُسيم» وهي تغطي الرأس، وتزين تدويرة الوجه بخيوط الذهب والفضة، وخيوط القطن الملونة بجانب خيوط التل، القرقوش المطعم بالمرجان والقطع الفضية، والتمائم، والعملات المعدنية والأزرار والفصوص الملونة، والأصداف،والمشابك “المراتق”.. إنه قرقوش شمعة. تعتمر شمعة اليهودية والمسلمة - الاسم المشترك بين اليهوديات والمسلمات اليمنيات على رأسيهما، فيتدلى على جبهتيهما خصلات الشعر “الغُرة”، إنه القرقوش، الزي الرسمي للبنات قبل الزواج، والمنتشر في طول البلاد وعرضها.
ذلكم القرقوش (اللوحة التشكيلية) اختفى من رأس شمعة المسلمة، بينما شمعة اليهودية ما زالت تلبسه في اليمن، بل وفي اسرائيل وأمريكا وبريطانيا، وتتباهى به وهي تقدم وصلاتها الغنائية من الفلكلور اليمني في أرقى مهرجانات العالم.. وتعد الفنانتان اليمنيتان، “عوفرا هزاع، وشمعة طوبي” وغيرهما نماذج للتراث الإنساني العابر للقارات، قرقوش يصدر أصوات الحركة وامتداد الروح التي لا تحد، إنها «الصنصنة» في أبهى حلة.
**
مازال قرقوش الشمعتين يتحدى الزمن، يختفي، لكنه يعود بين فترة وأخرى، ففي بعض الأرياف اليمنية، مازال صامداً على رؤوس الطفلات، كذلك يعود وبقوة ليكون حاضراً في صف الأعراس، خصوصاً الأعراس الصنعانية، ومازالت الأسواق الشعبية تزين محلاتها بالقراقيش.
قبل سنوات بدأت بعض النساء في الجمعيات النسوية تشتغل عليه بقصد تسويقه على السياح، وعرضه في المهرجانات الثقافية محلياً وخارجياً.
يحضر القرقوش بحضور شمعة الاسم الجامع للديانتين الاسلامية واليهودية، يخترق الهويات الصغيرة والتراتبية الدينية والإجتماعية والمذهبية الحادة في فكر وثقافة المجتمع اليمني، لتطل به شمعة، وهي تحكي تاريخ تراث الإبرة والمنول والأغنية والرقصة، والأسمار... فلا يجيد صناعة فن المختلف سوى الإنسان، وفي الصدارة : الشمعتان. مر زنار من هنا.. وقرقوش أيضاً
في اليمن لن تستطيع أن تذرع متراً واحداً في أي شارع أكان في الريف أم الحضر، في حارة أو زقاق، دون أن تطالعك بصمة اليهودي الصانع الماهر /الفنان، في جدار، شباك، حزام بيت منقوش، وبوابة ومفتاح ومغلقة.. ويصعب أن ترى امرأة تمشي في حواري صنعاء القديمة أو في تعز، أو المحويت، أو أي مكان في اليمن، دون أن ترى البصمة نقش سروالها، ومعاصم ثوبها، وقلادة الفضة المعلقة على صدرها، أو التميمة«الحرز» الذي يختفي بين ملابسها.. وغالباً تكون / يكون ذلك اليهودي /اليهودية هما من حاكاه، ومن صنعاه، بل وعلما فنون الحياكة والتطريز والغرز لجيرانهم من أولاد وبنات ونساء المسلمين، وأنت تمر في تلك الحواري : «القاع »، صنعاء القديمة، وتعز القديمة، وحارة اليهود في عدن، في صعدة، وريدة، و في كل مدن وأرياف اليمن،ستجد بصمة وحفريات أصابع الفنان اليهودي مطبوعة على المسجد، المدرسة، المركز الحكومي، قصر السلطان، بيت الفلاح، منازل الأثرياء، ومنازل العامة، وجل الأثاث وأدوات الزينة.
هاهم غادرونا منذ 1948، وهدمت المنازل والكنس، بعبثية جائرة، بدافع سياسي وديني عصبوي، ألحق بيهود اليمن أقصى أشكال الأذى المادي والنفسي، رحلوا، وما برحت آثار الطائفة اليهودية اليمنية باقية تفصح عن براعة اشتغالهم بكل أنواع الشغل الحرفي والمهني والتجاري..الخ اشتغلوا بفنية وتقنية عالية في كل شيء.
نعم ستجد الكثير من غرف الأجداد وعليها آثار النقش، ستجد المطحن، وأيضاً النجمة السداسية تعتلي منبر المسجد، وتقاطيعه، وعلى قباب أضرحة الأولياء، وحتى ذلك الفستان الذي اهترأ قماشه مازالت خيوط «الصرصر»، ورائحة الأصباغ في ثناياه تقاوم الزمن، ستجد القمريات ما زالت تزين بعض الدور في المدينة والريف، فأينما سكن اليهودي، وحيثما وطأت أقدامه شبراً من هذا الوطن، ثمة حكايات وفنون، تحكي وتدل عليه حتى اليوم..
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق