لتقف قليلا أنت فى اليمن .. هنا يتجسد لك التاريخ أحرفا من ذهب يتلألأ على مشارف إبداع إنساني منقطع النظير .. على بعد خطوات فقط ، ستجد نفسك مجبرا على الانحناء تحية لتلك الأنامل التي خلفت كل هذا الإرث الحضاري الحافل بآيات الأعجاز وبالتأكيد ستأخذك مشاهد جمال آسر لبلد تتصدر مدنه الأثارية منظومة التراث الإنساني العالمي للتحليق مجددا في تلك الروايات المتضامنة على ان العالم حقا قد بدأ من هنا .. من حيث تقف الآن ارض تبع وحمير وجنة سبأ .
تمثل اليمن نمطاً معمارياً متفردا في العالم القديم، لفت أنظار كل شغوف باستقصاء أسرار فن العمارة وتتبع خطوط إبداع ذلك الرعيل من الأجداد القدامى الذين ترجموا انفعالاتهم النفسية والروحية في الزخرفة إما على عقود الجبس والأبواب الخشبية، أو في الأحزمة على عقود الحجر والطين، والياجور المحرّق، كما في صنعاء القديمة، وصعدة، وشبام، وثلا وغيرها من المدن اليمنية الآهلة بالحضارة، التي تقدم آيات من الإبداع الخلاق المرتكز إلى قاعدة من المعرفة، والإحاطة بانعكاسات اللون وحضور الشكل ومقاييس المسافة.
الأمر الذي يمكن استشفافة من مجرد إطلالة على ما يزيد عن 200 مدينة تاريخية و 5000 حصن تمثل جملة الآثار اليمنية الشاخصة بأريج الماضي .
-- صنعاء .. درة التراث الإنساني والعالمي
تعد مدينة صنعاء القديمة واحدة من اكبر مدن العالم القديم التي لا تزال قائمة وقد صنفت كإحدى اكثر عواصم العالم تميزا بطابعها المعماري الفريد الذي جعل منها درة من درر التراث الإنساني والعالمي.
إذ تضم المدينة سلسلة مترابطة متلاصقة من المنازل والمعالم القديمة تقدر بـ14 ألف منزل أثاري قديم على مساحة تقدر بـ3700 مترا .
والناظر إلى المدينة أو الزائر لها يدرك من الوهلة الأولى، اللمسات الخاصة لإبداع فن العمارة ،التي تستشف ببساطة من تلك المقاييس الدقيقة، وذلك التناسق العجيب في الزوايا والمقاطع المختلفة التي يتألف منها البناء، إضافة إلى ذلك الاستعراض الممتع لشتى فنون الزخرفة الحجرية والطوبية والجبسية، التي حولت واجهات المباني والمنازل القديمة إلى تحف فنية شديدة الإتقان.
وقد أحاط هذا البناء المدينة بهالة من الجاذبية دفعت بعض المستشرقين إلى الاعتقاد دون تروى بأن المدينة قد تأثرت في طابعها المعماري بفنون البناء في "اكسوم" بأثيوبيا وسوريا وبلاد فارس وتركيا، لكن القواعد الدائمة لفن العمارة اليمنية التي سجلها التاريخ عن قصر "غمدان وسلحين" وفي المعابد والمدن اليمنية القديمة كمأرب وبراقش وشبوة تدحض هذا الادعاء من أساسه ولا تترك مجالا للبحث المضني عن نقاط التشابه والتأثر والتماثل بين فن العمارة اليمنية المتميز وفنون العمارة الأخرى في الحضارات المختلفة التي لم تظهر فيها تلك الأساليب المعمارية إلا بعد ازدهارها في اليمن القديمة.
وقد أيد هذا الاتجاه العديد من المستشرقين أمثال البروفسيور" ليوكوك" والسيد"سرجنت" اللذان أكدا أن فن العمارة في المرتفعات الجبلية فريد ونتاج خاص بالجزيرة العربية وجنوبها ، كما أشار العالم والرحالة الشهير ابن بطوطة إلى جمال صنعاء القديمة ورونق حلتها حيث وصفها قائلا " صنعاء مدينة كبيرة حسنة العمارة.. بناؤها بالياجور والجبس.. كثيرة الأشجار والفواكه، معتدلة الهواء، طيبة الماء، مرصوفة طرقاتها بالحجارة، فإذا نزل المطر غسل جميع أزقتها وأنقاها "
-- الطين الخلطة السحرية :-
تميزت العمارة اليمنية القديمة باعتمادها على الطين كمادة أساسية في البناء والتشييد ولم يكن ذلك اعتباطا ولكن لاسباب لها مدلولاتها في تأكيد خبرة ومهارة وتفرد البناءون اليمنيون القدامى ، إذ ان الطين أساساً ناتج عن تحلل الصخور النارية، وهو لذلك مركَّب من دقائق صغيرة متبلورة من سيلكا الألومونيوم، ومن خواصَه الطبيعية اللزوجة عند إضافة الماء إليه، أما لون الطين فيعتمد على المركبات المعدنية المكونة له ؛ ولذا نراه يتدرج من الأبيض الفاتح إلى البني الغامق، ويبلغ وزن الطين ما بين 1400 إلى 1800 جرام في المتر المربع حسب درجة التماسك .كما يعد الطين من أفضل المواد العازلة للحرارة ويتكون النقي منه أو ما يطلق عليه "الصلصال" من حوالي 46.5 بالمائة من سيلكا الألومونيوم ( ثاني أكسيد السيلكون )، و 39.5 بالمائة من ثلاثي أكسيد الألومونيوم، بالإضافة إلى حوالي 14 بالمائة من الماء، فهو تشكيل معقد من السيلكون والألومونيوم والهيدروجين كما أن الطين عازلا للحرارة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق