يقول برنتن :
"وقد
امتدت هذه الهرطقات فشملت الجانب الأكبر من السلوك والعقائد ، ونستطيع أن نأخذ
الجدل النهائي الذي ثار حول العلاقة بين يسوع والإله الواحد –
الإله الأب – مثلاً لعصر الهرطقة كله ، وأخيراً قبلت المسيحية الرسمية في عام
325 في مجلس نيقية بالقرب من القسطنطينية عقيدة التثليث أو ما نادى به أثانسيوس ،
والثالوث "الله الأب ، ويسوع الابن ،
والروح القدس ، طبقاً لهذه العقيدة : أشخاص حقيقيين ، عددهم ثلاثة لكنهم واحد أيضا
، وبقيت المسيحية وحدانية تثليثها يسمو في الرياضيات (8) .
وهنا
، عند هذه النقطة خاصة تصطدم أراء بولس وكنيسته بالفطرة والعقل اصطدما مباشراً ،
فمهما حاول أي عقل بشرى أن يتصور أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة فإنه لا يستطيع
إطلاقاً ، مع أن الملايين من أتباع الكنيسة يقولون في كل صلاة " باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد " .
لقد
ظل العقل البشرى يلح على الكنيسة أن تعطيه إجابة مقنعة يتخلص بها من سؤال داخلى
قاتل وهو : كيف أصدق أن 1 + 1 + 1 = 1 ؟
فكان
رد الكنيسة المتكرر دائما هو أن ذلك " سر " لا يستطيع العقل إدراكه .
هكذا
كان رأى القديس أوغسطين (430) وهو يواجه حملة
آريوس على التثليث الكاثوليكي ، وقال أن كل ما جاء في الأناجيل لا ينبغي للعقل أن
يجادل فيه " لأن سلطانها أقوى من كل سلطان أمر به العقل البشرى (9)
.
كذلك القديس توما
الأكويني ( + 1274 ) ، فهو " يقرر أن الحقائق التي يقدمها الإيمان لا
يقوى العقل على التدليل عليها ، ففي استطاعة العقل أن يتصور ماهية الله ( Essence ) ، ولكنه لا يستطيع أن يدرك تثليث الأقانيم ومن دلل على عقيدة
التثليث في الأقانيم حقر من شأن الإيمان ) (10)
وهكذا
كان رأى الكنيسة وهي تواجه انتقادات " أبيلارد
" في القرن الثاني عشر الميلادى الذي أدان رأى أبيلارد وقرر إحراق كتابه وأن
يضعه بيده في النار (11) ولا يزال هذا هو رأى
الكنيسة وإلا فماذا في إمكانها أن تقول غير ذلك ؟
حتى الكنائس الشرقية تذهب إلى هذا الرأي
، فالقس باسيلوس يقول : " أن هذا التعليم عن التلثيث فوق إدراكنا ، ولكن عدم إدراكه لا
يبطله " ..
وزميله
توفيق جيد يقول : " إن تسمية الثالوث باسم الأب والابن والروح القدس تعتبر
أعماقا الهية وأسراراً سماوية لا يجوز لنا أن نتفلسف في تفكيكها أو تحليلها أو أن
نلصق بها أفكارنا من عندياتنا" (12) .
من
هذه الإجابات يتضح أن الكنيسة لم تضع حلاً للمشكلة إلا المشكلة نفسها ، فالعقل
يسأل الكنيسة عن سر التثليث فتجيب بأن هذا " سر
" وياليت أنه كان السر الوحيد ، ولقائل أن يقول : أن الأديان بما فيها
الإسلام لا تخلو من مغيبات أو حقائق لا يستطيع العقل إدراكها ولكن يدفع هذا القول
أن هناك فرقا بين ما يحكم العقل باستحالته كالتثليث وبين ما لا يستطيع العقل
إدراكه ، والإسلام ، وإن كان فيه الأخير ، فإنه يخلو تماماً من الأول ، فليس فيه
ما يحكم العقل باستحالته أبداً (13)
إن
الكنيسة ، بتبنها لعقيدة التثليث ، قد فتحت على نفسها ثغرة واسعة يستطيع أعداؤها
أن ينفذوا من خلالها إلى هدم الدين البوليسي الكنسي بسهولة ، وكانت هذه العقيدة
واضرابها المقومات الأساسية للفكر الديني الذي تستر بستار " النقد التاريخى للكتب المقدسة " ابتداء من
القرن السابع عشر ، ولا بأس هنا أن نورد قول أحد أقطاب هذا الفكر وهو الفيلسوف
" رينان " الذي حرمته الكنيسة وحظرت
كتبه :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق