- القول المنسوب إلى للمسيح (( أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ))
:
هذا
القول هو أقوى وأصرح حجج الكنيسة ، ولقد ظل شعاراً ترفعه أوروبا كلما أملى عليها
الهوى أن تخالف شرع الله وتتمرد على شرعه ، وبفضل هذا الشعار أخذ الدين ينكمش
وينحسر على مر القرون حتى لم يبق له في أحسن الأحوال إلا ساعة في الأسبوع خاوية من
كل معنى .. فما قيمة ذا الدليل بالمناظرة العلمية المنصفة ؟
لقد
سبق أن قلنا إن كل ما روى عن المسيح من أقوال ليست منسوبة إليه يقيناً ، بل لا
ظناً راجحاً ، فالكنيسة بدلت وحرفت وأضافت وحذفت حتى طمست تعاليمه وأقواله ودفنتها
إلى الأبد ، وهذا القول مما يجوز أن يقال فيه – مبدئيا – إن المسيح لم يقله وإنه
من غضافات الكنيسة ، ومادام البحث العلمي يقرر أن الأناجيل كلها ظنية الثبوت ظنية
الدلالة فكيف يسوغ للكنيسة أن تحتج بهذه الظنيات في مسألة بالغة الخطورة كهذه ؟
ولندع القيمة العلمية التاريخية للنص
وننظر نظرة موضوعية فاحصة في منطوق العبارة ومدلولها فماذا نجد ؟
إن
هذه العبارة ظاهرها الأمر الصريح بالشرك (( أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله )) فهي
تجعل قيصر شريكاً لله في التوجه إليه بالعمل ومن ينفذها عن ظاهرها يقع حتماً في
شرك الطاعة والاتباع وهو شرك أعظم ، لتنافيه مع توحيد الألوهية ، وهذه الدلالة
تكفي لنفي صدور العبارة من المسيح عليه السلام ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام إنما بعثوا لتحذير الجماعة البشرية من الشرك وتنفيرها منه جليلة ودقيقة ،
فكيف يأمر نبي من أنبياء الله من أولى العزم بالشرك ويدعو إليه بهذه الصورة ؟
2- (( مملكتي ليست من هذا العالم ))
بقطع
النظر عن صحة نسبة هذه العبارة إلى المسيح
عليه السلام أو عدمها ، نجد أن الكنيسة فهمتها فهماً خاصاً ، وجعلت هذا
الفهم منهجاً واصلاً من أصول عقيدتها تقاوم بها الفطرة البشرية والعقل السليم
والتطور الإيمانى المستقيم .
فهمت
الكنيسة من قول المسيح (( مملكتي ليست من هذا العالم )) إن كان قالها – إن الدنيا
الخرة ضرتان متناحرتان وضدان لا يجتمعان : الدنيا مملكة الشيطان ومحط الشرور والاثآم
، وعمل الإنسان فيه لتحسين أوضاعه المعاشية ومحاولة تحقيق القسط الملائم من
السعادة والرفاهية والتمتع بطيبات وخيرات الكون : كلها أعمال دنسه يمليها الشيطان
ليصرف الإنسان عن مملكة المسيح الخالدة ( الآخرة ) والفقر وشظف العيش – حسب
المفهوم الكنسي– هما مفتاح الملكوت الضامن ، وتنسب الأناجيل إلى المسيح قوله (( إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت
الله )) (20) . وبمقتضى ذلك لا
يسأل الإنسان الله شيئاً من متاع الدنيا أو خيراتها العاجلة ، بل يقتصر على ما
طلبه المسيح حسب رواية الأناجيل(خبزنا كفانا ) (21)
.
والإنسان
– حسب هذا المفهوم – يولد موصماً بالخطيئة الموروثة ويدخل إلى الدنيا دخول المجرم
إلى السجن ، وكما أن آباه أكل من الشجرة فعوقب بالطرد من الجنة وقضى عليه بالحرمان
والنكد ، فكذلك إذا تمتع بطيبات الدنيا وملاذها فسيعاقب بحرمانه من نعيم الملكوت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق