– انه ، عيسى عليه السلام قد بعث إلى قوم قساة القلوب غلاظ الأكباد ، وفي
الوقت نفسه كانت المنطقة المبعوث فيها جزءاً من مستعمرات إمبراطورية وثنية عاتية ،
فكان ميلاد الدين الجديد في محيط معاد كل العداء له ولرسوله ونتج عن ذلك اضطهاد
فظيع للمؤمنين به لم يدع لهم فرصة لتطبيقه
إلا في النطاق الشخصي الضيق .
وكان أول من وضع العراقيل أمام المسيح وشريعته
اليهود قتلة الأنبياء ، وتكاد الأناجيل والرسائل تكون وصفاً للعنث الذي لقيه
المسيح وأتباعه من الطوائف اليهودية ، وقد جللوا عداوتهم بإغراء الحاكم الرومانى بقتله
وصلبه ، ولكن الله تعالى رفعه إليه ونجاه منهم ومنه .
ومن بعد وفاة المسيح ، عليه السلام ،
اشتدت المحنة على أتباعه من اليهود والرومان سواء .
أما
اليهود فكانوا كما تحدثت رسالة (( أعمال الرسل ))
يقتلون المسيحيين ويرجمونهم ويغرون بهم الولاة …
وكان من أبرز المضطهدين لهم شاؤل اليهودى ، الذي تقول عنه الرسالة المذكورة :
" أما
شاؤل فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءاً ويسلمهم إلى
السجن" (6)، على أن أعظم محنة
نزلت بالمسيحية عقيدة وشريعة – هي عملية (( الغزو من الداخل )) التي
قام بها شاؤل : فقد تظاهر باعتناق المسيحية وجاء بتعاليم مناقضة سبق ذكر بعضها ،
وأخذ يؤلب على المسيحيين الحقيقيين ، وبذلك أحدث فوضى عقائدية وبلبلة فكرية ،
فتضاعفت البلاء على المسيحيين ، إذ أصيبوا في دينهم وأنفسهم دفعة واحدة .
وأما الرومان فقد أنزل أباطرتهم بأتباع
المسيح أشد الأذى ، واشتهر باضطهادهم ( نيرون 64م)
و (تراجان – 106 ) و ( ريسويس
– 251 ) و( دفقلديانوس – 3280 ) وبلغ بهم
الاضطهاد إلى درجة أن بعض الأباطرة كانوا يضعون المسيحيين في جلود الحيوانات
ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم ، أو يلبسونهم ثياباً مطلية بالقار ويقودونها لتكون
مشاعل بشرية يستضيئون بها في مراقصهم (7) وفي وسع المرء أن
يدرك الحال الذي تكون عليها شريعة يضطهد أتبعاها ثلاثة قرون ويطاردون في معتقداتهم
وأفكارهم وهذه المطاردة ، كيف يمكن أن تقوم عليها دولة تنافح عنها وتلزم بتعاليمها
وتثبت للعالم أنها شريعة كاملة .
وإذا اتضحت لنا هاتان الحقيقتان ، نعود
إلى فصل الدين عن الدولة الذي مارسته الإمبراطورية الرومانية والكنيسة ابتداء من
سنة (325) .
إن
الكنيسة لتهتز طرباً إذا ذكر لها عام (325) ، فهو يمثل في نظرها عام النصر الحاسم
على أعداء المسيح وبداية العصر الجديد – عصر السيادة والحرية
– بعد عصر الاضطهاد والهوان .
لقد
حصلت الكنيسة على ما لم يكن ليحلم به آباؤها الأولون … فبينما عاش المسيح
والتلاميذ تحت تهديد الوالي الروماني ينظرون إلى الامبراطورية الفسيحة نظر من لا
يطمع منها بشيء ، نرى الكنيسة في القرن الرابع تظفر بالامبراطور نفسه صيداً ثميناً
وتعمده بالماء المقدس إيذنا بدخوله دين المسيح .
(7) انظر
محاضرة في النصرانية : 32 ، وتاريخ العالم الإسلامى : 21 واضمحلال الامبراطورية
الرومانية : فصل 15
(6)
صح 8 :4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق