اليمن - صنعاء المدينة المجهولة ل 99 % من الناس................. Old sana'a - yemen unknown city for 99% of people

الأربعاء، 9 يناير 2013


وبذلك استحقوا المقت من الله وكانوا مثلاً سيئاً وقدوة طالحة لمن جاء بعدهم . ثم بعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ومعه الإنجيل فحذر أتباعه أبلغ تحذير من اقتفاء أثر أحبار اليهود الذين كان المسيح يسميهم "بائعي العهد ، أولاد الأفاعي ، عباد الدنيا" ودعا قومه إلى الاتصال المباشر بالله والتوبة إليه والخضوع له وحده دون سواه ، وكان يوصى الحواريين والتلاميذ ، قائلا"  : "رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم" (2) .
          لكن القسيسين والرهبان لم يكونوا أفضل حالا" من الأحبار ، فقد سلكوا الطريق نفسها وانصاعوا إلى الدنيا مستعبدين أتبعاهم المؤمنين ، وساعد وجودهم ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم وتدعيمها وذلك بأنهم اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء أنظمة وهياكل كهنوتية ، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته الجنود ، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً قمته الباب وقاعدته الرهبان . ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم الكنسي ولم تر فيه ما يعارض وجودها فرسخ واستقر .
          يقول المؤرخ الإنجليزي ويلز في معرض الفرق بين مسيحية المسيح ومسيحية الكنيسة – كما سبق –أن تعاليم يسوع الناصري تعاليم نبوية من الطراز الجديد الذي ابتدأ بظهور الأنبياء العبرانيين ، وهي لم تكن كهنوتية ، ولم يكن لها معبد مقدس حبساً عليها ولا هيكل ، ولم يكن لديها شعائر ولا طقوس ، وكان قربانها "قلباً كسيراً خاشعاً " وكانت الهيئة الوحيدة فيها هيئة من الوعاظ ، وكان رأس ما لديها من عمل هو الموعظة .

          "بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين ، وإن احتفظت بتعاليم يسوع في الأناجيل "كنواة لها" ، كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طراز مألوف للناس من قبل منذ آلاف السنين ، وكان المذبح مركز طقوسها المنمقة والعمل الجوهري في العبادة فيها القربان الذي يقربه قسيس متكرس للقداس ، ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة" (3)
          وكان من الأسس الباطلة التي بنى عليها رجال الدين مبررات وجودهم مبدأ "التوسط بين الله والخلق" الذي يقتضي ألا يذهب الإنسان إلى رجل الدين ليعلمه كيف يعبد الله طالباً الصفح والمغفرة ، بل عليه أن يتجه إلى رجل الدين معترفاً أمامه بذنبه ليقوم بالتوسط لدى الله فيغفر له ، وحسب هذا المبدأ نصب رجال الدين أنفسهم أنداداً لله تعالى وأوقعوا أتباعهم في الشرك الأكبر ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وفوق كونه مبدأ باطلاً شرعاً ، ساقطاً عقلاً ، فإنه ليس في الأناجيل – رغم تحريفها – ما يدل على أن المسيح أقره أو دعا إليه .
          وقد ترتب على هذا المبدأ آثار سيئة للغاية ،منها احتكار رجال الدين لحق قراءة وتفسير الإنجيل ، ثم مهزلة صكوك الغفران ، وكذلك الانشقاقات الدينية المتوالية التي دمرت الحياة بصفة عامة ، وأخيراً كان هذا المبدأ إحدى الحجج التي سلها ملاحدة القرن السابع عشر فما بعد ،في وجه الأديان عامة والمسيحية خاصة ، وسيأتي تفصيل هذه الأمور في أبوابها بإذن الله - (4) .
          يقول العالم الفرنسي المهتدي " ناصر الدين دينيه " :
          "الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان ، إذ ليس بين الله وعبده وسيط وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان ، إن هؤلاء الوسطاء هم شر البلايا على الأديان وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم ومهما كان إخلاصهم وحسن نياتهم ، وقد أدرك المسيح نفسه ذلك ، ألم يطرد بائعي "الهيكل " ؟ غير أن أتباعه لم يفعلوا مثلما فعل ، واليوم لو عاد عيسى فكم يطرد من أمثال بائعي الهيكل ؟
          "كذلك ما اكثر البلايا والمصائب ، بل ما أكثر المذابح والمجازر التي يكون سببها هؤلاء الوسطاء ، سواء كانت بين العائلات وبعضها أو بين الشعوب والشعوب ، وهم في ذلك كله يصيحون : باسم مجد الله " (5)


(2) متى 20 : 26 .
(3) معالم تاريخ الإنسانية 3 : 720 .
(4) انظر فصل طغيان الكنيسة من الباب الثاني "الطغيان الديني " ص128 .
(5) أشعة خاصة بنور الإسلام :23.

ليست هناك تعليقات:

اراشيف