ونحن لا ننكر التشابه الظاهر بين رجل
الاكليروس في المسيحية وبين السحرة والكهان في العصور السابقة ، لكننا نرجع ذلك
إلى كون الطائفتين انحرفتا عن أصل صحيح واحد ولا نمضي أبعد من ذلك ، أما التعليل
المباشر الذي يوضح الأًصل الحقيقي لرجال الدين فهو أن الله تعالى أنزل التوراة على
موسى ، عليه السلام ، واحتفظ بها الأحبار من بعده ، فكان الأمر يقتضي وجود عدد من ذوي
الموهبة والعناية يتفرغون لحفظ الكتاب وشرح تعاليمه وتأويل مشكله وإيضاح أحكامه كي
يسير عليها الفرد والمجتمع ، وأمر الله تعالى هؤلاء العلماء أن يكونوا ربانيين بما
كانوا يعلمون الكتاب وبما كانوا يدرسون ، ونهاهم عن كتمان شئ منه أو تحريفه أو
شراء شيء من عرض الدنيا به ، لكن الأمر آل إلى أن كثيراً من الأحبار أغرتهم
المطامع الدنيوية الزائلة واشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ، ضيعوا
الأمانة وفرطوا في الحفظ وفرضوا لأنفسهم سلطة دنيوية يأكلون أموال الناس بالباطل
ويتقبلون القرابين ويفرضون على الناس العشور باسم الهياكل والبيع ، مستغلين منصبهم
الديني أسوأ استغلال .
وبذلك
استحقوا المقت من الله وكانوا مثلاً سيئاً وقدوة طالحة لمن جاء بعدهم . ثم بعث
الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ومعه الإنجيل فحذر أتباعه أبلغ تحذير من
اقتفاء أثر أحبار اليهود الذين كان المسيح يسميهم "بائعي
العهد ، أولاد الأفاعي ، عباد الدنيا" ودعا قومه إلى الاتصال المباشر
بالله والتوبة إليه والخضوع له وحده دون سواه ، وكان يوصى الحواريين والتلاميذ ،
قائلا" : "رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا
فيكم" (2) .
لكن القسيسين والرهبان لم يكونوا أفضل
حالا" من الأحبار ، فقد سلكوا الطريق نفسها وانصاعوا إلى الدنيا مستعبدين
أتبعاهم المؤمنين ، وساعد وجودهم ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم
وتدعيمها وذلك بأنهم اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء
أنظمة وهياكل كهنوتية ، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته
الجنود ، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً قمته الباب وقاعدته الرهبان .
ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم الكنسي ولم تر فيه ما
يعارض وجودها فرسخ واستقر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق